هناك من يقول إن الربيع العربي وما حدث في عالمنا العربي من حروب ودمار منذ إحراق البوعزيزي نفسه وحتى الحرب السورية التي حصدت الآلاف من الأرواح البشرية، ليس إلا مؤامرة دبرها الغرب تحت ما يسمّى بالفوضى الخلاقة. حادثة الحادي عشر من سبتمبر حظيت أيضاً بقسط كبير من نظرية المؤامرة، و خرجت عديد من الكتب التي تؤكد هذا، ككتاب الخديعة الكبرى، للصحفي الفرنسي تييري ميسان، وكتاب السي آي أيه و 11 سبتمبر للكاتب الألماني أندريه فون بولو. وهكذا عند حدوث أي واقعة شهيرة أو كارثة إنسانية أو حادثة سياسية ذات أصداء إعلامية عالية المستوى، تخرج عديد من النظريات لتفسيرها والبحث في حيثياتها. وتتراوح هذه النظريات بين النظريات الواقعية القائمة على تحليل الحدث بناء على معطيات واضحة، ونظرية المؤامرة القائمة على تحليل الحدث بناء على عوامل خفية وأطراف سرية. وبالرغم من هذه السرية، إلا أن نظرية المؤامرة تبدو ذات شعبية كبيرة لدى كثيرين من مختلف شرائح المجتمع لأسباب سنناقشها لاحقاً بهذا المقال. يمكن تعريف نظرية المؤامرة بأنها عزو أي كارثة أو إشكالية سياسية أو حادثة لافتة إلى تنظيم سري مؤسسي مدار من خلف الكواليس. ويجب هنا التمييز بين الحوادث السياسية التي بها أيدٍ خفية تحيك وتدبر وتنفذ بطريقة سرية، وبين الحوادث التي ربما أديرت من أيدٍ خفية لكن من قام بها أو نفذها أطراف ضالعة في الصراع. وعلى هذا يمكن تفسير الحوادث التفجيرية التي تحدث في العراق بين السنة والشيعة على أنها مؤامرة إن اعتقدنا أن التخطيط يتم ويحدث دون اشتراك أي من الطرفين، لكن حين يضلع الطرفان أو أحدهما كأداة في هذه الحوادث ويقوم بتنفيذها عن قصد أيديولوجي، فنحن هنا ننتقل من المؤامرة إلى عملية سياسية ذات تفاصيل كثيرة ومعقدة. ومن الملاحظ أن الإيمان بنظرية المؤامرة يختزل كثيراً من العوامل المساهمة في تشكل الحادثة، ويحاول كبسلتها وتفسيرها بطريقة مقولبة وأنموذج موحد يمكن تطبيقه على أي حادثة أخرى. فهناك، على سبيل المثال، من يفسر حرب أفغانستان والصراع بين السنة والشيعة في العراق وموت الحريري وحوادث التفجير بشتى أنواعها في العالم العربي بأنها مؤامرة صهيونية غربية. وعند التأمل في الظروف النفسية لدى المؤمنين بنظرية المؤامرة يلاحظ أن هناك أسباباً يمكن أن تقف خلف التمسك بهذه النظرية. أحد هذه الأسباب هو الحفاظ على الممتلكات الأيديولوجية وحمايتها من الاهتزاز أو التقويض. فحين يقوم سني بعملية تفجير في حسينية شيعية أو يقوم شيعي بتفجير في مسجد للسنة، فإن القائلين بنظرية المؤامرة يحاولون تخليص جانبهم العقدي من تهمة هذا الدمار لتبقى صفحتهم الأيديولوجية نقية خالية من الشوائب. وهذا يعني التوقف عن محاولة التوغل التحليلي للوصول إلى العوامل الأيديولوجية والسياسية التي ربما كانت هي المحرك الحقيقي لتلك الكوارث. أما السبب الآخر فهو سبب نفسي يتعلق بظهور المؤمن بهذه النظرية بطريقة فوقية في المشهد التحليلي ككل. فالمتمسك بنظرية المؤامرة يخرج ظاهرياً ذلك الذكي الذي يعلم شيئاً لا يعلمه الآخرون ليبقي الطرف الآخر المتمسك بالتحليل الواقعي المبني على معطيات واضحة في محل شك حول وجود أسباب أخرى غير معلومة لديه. ولو مرت الأيام وحدث أن اتضح وجود أسباب خفية تشير إلى مؤامرة فسيخرج صاحب نظرية المؤامرة في موقف المحلل العبقري الذي استطاع الوصول إلى ما لم يفكر به صاحب التحليل الواقعي. أما لو لم يحدث ذلك، فهذا لا ينال شيئاً من صاحب نظرية المؤامرة، وإنما يعني بقاء ما يقوله سراً أو غيباً لم يكشف بعد. وهذا يجعلنا أمام منظور شبه ميتافيزيقي، شبيه بإيمان المراهنة، يخرج به المؤمن بهذه النظرية، على الرغم من بساطة أنموذجه التحليلي، في مظهر المتفوق ذهنياً على صاحب التحليل الواقعي مهما كانت الأسباب الفعلية التي أدت لتلك الحادثة السياسية. يجدر القول إن نظرية المؤامرة لا تتوقف على الكوارث السياسية وإنما تنتشر في حقول كثيرة. في الطب، على سبيل المثال، هناك من يقول إن خروج فيروس الإيدز ليس إلا مؤامرة من السي آي أيه للتخلص من الشواذ جنسياً في العالم. أما في عالم الاقتصاد، فهناك من يقول إن ظهور البطاقات الائتمانية عوضاً عن النقود ليس إلا مؤامرة دبرها بعضهم للقضاء على النقود الورقية ومن ثم حدوث مشكلات اقتصادية تجر العالم إلى حروب مدمرة، يتحكم بها أولئك الذين اخترعوا البطاقة الائتمانية.