لكل إنسان صندوق أسراره الخاص، الذي يزخر بما تراكم فيه على مر السنين، فالحياة مملوءة بالأحداث، والشخص يمر بمراحل عمرية متعددة، وظروف ومتغيرات تتخللها ممارسات، وشؤون وشجون لا يحصيها ويعلمها إلا الله وحده، ومن هذه الأسرار ما يتناقله الركبان ويتحدث به العربان، وذلك إما لأن صاحب السر أفشى سره أو أن الستار أُزيح عنه بطريقة أو بأخرى. والناس يختلفون في مدى قدرتهم على حفظ أسرارهم وأسرار غيرهم، فمنهم من يضمر في جوفه ما لا يخطر على بال؛ خوفاً من تبعات تسربه للآخرين، منطلقاً من قول الشاعر: «أسيرك سرك إن صنته.. وأنت أسير له إن ظهر» وهناك من يعجز عن كتمان ما يدور في مخيلته، فيبادر إلى البوح بذلك لشخص ما، يُفاجأ فيما بعد بأنه قد أخبر به غيره؛ وهذا ينطبق عليه بيت الشعر القائل: «إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه.. فصدر الذي يستودع السر أضيق»، وبالذهاب لبعد آخر في ساحة خبايا النفوس، نجد أن ثمة خفايا تصل لدرجة الجحيم الذي لا يطاق، تتوهج لتحرق أيام وليالي صاحبها الذي تحتبس في صدره، وقد ترافقه لمثواه الأخير فتدفن معه دون أن يعلم بها قريب أو بعيد، وهذا الصنف من الأسرار ربما يبعث على الحزن والندم، أو يُشعر بالغبن والقهر؛ نتيجة مآسٍ حياتية خاصة. وما يجد ذكره في هذا الصدد هو أن الأسرار ذات مستويات متعددة، فمنها ما يقتصر على حياة الفرد الشخصية، ومنها ما يشمل عائلة بعينها، وحينما نوسع الدائرة نجد أن للمؤسسات، والشركات الصناعية، والجهات الخاصة والعامة أسراراً وأموراً تحرص على جعلها في طي الكتمان، إلا أنها قد تصرح بها بعد مدة زمنية حينما تنتهي أهميتها وقيمتها بالنسبة لملاكها. وأخيراً، لأن البشر بطبيعتهم الوقوع في الزلل؛ هناك كثير منهم يحتفظ بأسراره حتى لا تتغير نظرة الآخرين إليه، ويبقى ظنهم الحميد تجاهه مستمراً، رغم أنه يعلم أن بعض أفعاله تنافي ما يعتقده الناس، ومصداق ذلك جلي في قول القائل: «يظن الناس بي خيراً وإني.. لشر الناس إن لم تعف عني».