أكثر ما يدهشني ويثير استغرابي وجود موظفَين متجاورين في مكتب واحد تحت مظلة إدارة واحدة وكل منهم لديه معلومة مختلفة عن الآخر، ويفتي من عنده حول موضوع واحد، فعندما تتوجه للموظف الأول فسوف يتعامل مع طلبك بطريقته ويعطيك معلومة معينة ولو ذهبت للآخر فسوف تجده في واد آخر ويعطيك معلومة أخرى. وهذا يجعلني أتأكد أن المشكلة ليست في الموظف فقط بل تتعدى ذلك للجهة التي يعمل فيها، فبعض موظفينا في أغلب الإدارات لا يعلمون حقوقهم وواجباتهم وما لهم وما عليهم، ولا يعلمون مهامهم الوظيفية بكل تحديد ودقة وإنما خاضع ذلك لتوزيع من رئيسهم في العمل أو مدير إدارتهم وفقا للحاجة والمتطلبات، وهذا ليس عيبا كبيرا عندما تحدد المسؤوليات والمهام بدقة وتنفذ كذلك بنفس الدقة، ولكن العيب هنا عندما تكون العملية اجتهادية من قبل الموظف، فإن رغب في خدمة المواطن -المراجع- فسوف يخدمه بأي طريقة أو يحني النظام من أجله وإن لم تكن لديه الرغبة فلن يعمل حتى الواجب عمله. ولعلي أطرح مثالا لذلك: ذهبت ذات مرة مع أحد أصدقائي لجوازات مدينة الرياض وبعد الوقوف في طابور طويل أمام الموظف قال لنا إن الموضوع في صالة أخرى وإنه لا يملك الصلاحية لتنفيذ طلب صديقي ذاك، مع العلم أننا استشرنا المشرف المسؤول وهو من أشار علينا بالوقوف في ذلك الطابور، انتقلنا للصالة الأخرى وذهبنا للمشرف المسؤول ووجهنا للذهاب لصالة أخرى وذهبنا أيضا لمسؤول آخر ليعيدنا إلى الصالة الأولى التي تواجدنا بها أولا وفي هذه المرة وقفنا في طابور طويل آخر وأمام موظف آخر، الذي استقبل طلبنا وأنجزه وعلمنا أن الموضوع سهل للغاية في ظل تطور الأنظمة الإلكترونية التي أسهمت في تسريع إنجاز المعاملات بكل يسر وسهولة. هنا أستشهد بموظفين لا يفصل بينهما سوى حاجز زجاجي وكل منهما يتعامل مع المعاملة بطريقته، فذاك ينجز ويساعد ويساهم ويعرف النظام وما يمكن عمله، وذاك يتملص من العمل ويجهل الكثير عن النظام لذلك يرسل المراجع إلى مكان آخر وعليه البحث عن الطابور السليم الذي يقف فيه. هذا يحدث بشكل كبير في معظم الإدارات الحكومية، لذا إن أردت إنجاز معاملتك فلا بد أن تملك قوة إقناع وأن تكثر من ترجي الموظف وطلبه ب(تكفى ويا بو فلان ويالاجودي ...)، لتستطيع الحفاظ على وقتك وإنجاز معاملتك. هذا يقودني إلى التأكيد على أهمية توصيف الوظائف وتعريف الموظفين بها تماما، وأيضا محاسبتهم في تطبيق النظام جيدا مع الأخذ في الاعتبار المرونة مع المراجعين وتقديم الخدمة بدقة وجودة، كذلك لابد من التوازن في المهام والواجبات للموظفين فهناك -كما يبدو لي- موظفون بلا مهام ومهام بلا موظفين.