لم يكن قرار المملكة العربية السعودية والقاضي باعتبار تنظيم الإخوان جماعة إرهابية هو قراراستثنائي في تاريخ الجماعة أو قرار خارج النسق السياسي العربي في التعاطي مع هذه الجماعة « المحظورة» . فالجميع يعلم أنه إلى الليلة التي سبقت ثورة 25 يناير كان قرار حظر الجماعة الذي سن في عهد الرئيس عبدالناصر مايزال سارياً في دوائر صنع القرار السياسي بمصر. فهذه الجماعة ومنذ تاريخ نشأتها على يد مؤسسها الأول حسن البنا عام 1928م وهي في حالة احتراب مع أنظمة الحكم الشرعية وفي عداء مع كل سلطة أخرى قائمة، الأمر الذي جعلها تتعرض للحظر من ممارسة أي نشاط سياسي من أغلب الحكومات التي تعاقبت على الامتداد التاريخي لهذه الجماعة. فنحن – على سبيل المثال – نجدها تتعرض للحظر على يد حكومة محمد محمود النقراشي رئيس وزراء مصر في عهد الملك فاروق الأول جراء قيام جهازها السري – وهو الذراع العسكرية للجماعة – بتنفيذ سلسلة اغتيالات طالت ثلة من رموز مصر كان على رأسهم القاضي الخازندار. إلا أن المفارقة أن قرار الحل لم يرهب الجماعة أو يحد من تهورها وتعنتها واستهتارها بكافة الأعراف والنظم السياسية القائمة بمصر آنذاك وإنما جعلها تتجه لصاحب قرار الحل – وأعني به رئيس الوزراء النقراشي باشا – وتقوم بتصفيته عقاباً له على قرار الحل بل وحتى قبل أن يصبح قرار الحل ساري التنفيذ. كذلك على مستوى باقي الدول العربية كالأردن والشام، فقد مارست جماعات الإخوان تحركات سياسية مناهضة للنظم السياسية القائمة هنالك، ولكن بادرتها هذه الحكومات بحركات استباقية أو بتطبيق سياسات احتواء ممنهج كما كان الحال في عهد الملك الراحل حسين عاهل الأردن. وعند تأمل قرار الحظر الأخير الذي أصدرته حكومة خادم الحرمين، سنجده يعطينا دلالة على أن القائمين على أمن هذه البلاد يدركون حقيقة الأبعاد الاستراتيجية الدقيقة للمشروع الإخواني بالمنطقة، كما يدركون أيضاً القواسم المشتركة للفكر الإخواني عامة ولأجندته المتبناة، التي يتمثل أبرز خطوطها في : – العمل وفق مخطط غير معلن ومغاير تماماً لما تعلنه أو تحاول أن تتبناه ظاهرياً على أرض الواقع. وهذا المخطط يتسم بالعدائية والتآمر على الداخل. – أن المحصلة النهائية للمشروع الإخواني هو الاستيلاء على السلطة، أي هو مطمع دنيوي وليس دعوي أو توعوي أو تربوي كما تدعي الجماعة. – الجماعة تتبنى الدين كورقة يمكن اللعب بها سياسياً كما أنها تمكنها من استقطاب مزيد من الأتباع. – إحدى وسائل الجماعة لنيل الرضا الشعبي هو خلق إسقاطات سلبية على السلطات الشرعية والنظم القائمة والعمل على إيجاد حالة تذمر شعبي عام. – الجماعة تعمل لصالحها وللنفعية الخاصة لأقطابها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. – لايوجد لدى الجماعة مشروع إصلاحي اجتماعي جدي معلن و متبنى يمكن تطبيقه مستقبلاً وإنما هدف الجماعة السلطة فقط ليس إلا. ونستطيع أن نستشف الفكر الإخواني وتعاطيه مع باقي المكون المجتمعي في المرات القليلة التي وصلت فيها الجماعة للسلطة كما كان الحال في غزة أو مصر، إذ طبقت الجماعة سياسة الإقصاء بحق خصومها السياسيين، ومارست سياسات قمعية بحق الأصوات المعارضة بل وأكثر من ذلك فقد سعت لتحييد جميع الأصوات المطالبة بالإصلاح. والغريب أيضاً أنها سعت للانقلاب على جميع وعودها المعلنة للجماهير الشعبية وتبني خطط بديلة قائمة على توزيع الحقائب الوزارية السيادية والمناصب الوزارية والإدارية الأخرى والمهمة على أتباعها وعملت على تحجيم جميع المبدعين ومعظم العناصر البشرية المنتجة في المجتمع . وقد يرى بعضهم أن من الأجدر أن تتبنى الدول الخليجية سياسة تعايش مشترك مع هذا التنظيم الذي قد غدا دولياً في توزعه وكذلك في تحركاته، إلا أنه من الخطأ في تقديري تبني هذه الاستراتيجية فالجماعة في قرارة نفسها تكفر بكافة النظم العربية الحاكمة، بل وتعمل على الاستقواء بالخارج في بعض الأحايين وأكثر من ذلك فهي في حالة حِرَاب وتآمر على الداخل ومن هنا فقرار الحظر هو الأجدى و من الأفضل أن تتبع قرار الحظر متابعات أمنية احترازية لتحركات – المنضوين تحت لواء – الجماعة على الساحة السياسية الداخلية. وأخيراً، علينا أن ندرك أنه متى ما وظف الدين من أجل الوصول للسلطة، وكذلك لتحقيق مآرب ومنافع دنيوية أخرى ومارس الرافعون شعار الدين زيفاً ونفاقاً اجتماعياً وقاموا بالمتاجرة بالقضايا الاجتماعية الملحة من أجل تصدر المشهد الاجتماعي والسياسي فتلك لعمري الكارثة بعينها.