لن أضيف جديداً حين أقول إن معرض الكتاب الدولي السنوي الذي تستضيفه العاصمة الرياض أصبح من الظواهر الثقافية والمعرفية، بل والاجتماعية البارزة والمبهجة التي تشهدها بلادنا في كل عام. صارت الأيام العشرة التي هي عمر المعرض بمنزلة الواحة الغناء التي تهفو لها أفئدة المتعطشين للتزود بالمعرفة، ومن أصيبوا بشيء من مس «الجنون اللطيف» حسب توصيف نيكولاس باسبينز في كتابه الذي يحمل ذات العنوان. أصبح معرض الكتاب أشبه ما يكون بالحالة الاحتفائية والكرنفالية المثيرة للتساؤلات والرافعة لعلامات الاستفهام والتعجب حول ما أشيع عن انصراف الناس عن القراءة وعبارة «أمة اقرأ لا تقرأ» التي لا يمل بعضهم من ترديدها وتكرارها في كل مناسبة، وحتى بدون مناسبة. تلك الحالة الاحتفائية و«العرس الثقافي» لم يخل من المنغصات والنواقص والملاحظات التي تتكرر، وترتفع وتيرة بعضهم منها، في كل عام. وهذه المقالة لا تهدف إلى استعراض ومناقشة كل أوجه النقص التي تعتور هذا الحدث المهم الذي لا نبالغ في القول إنه أعاد رسم خريطة القراءة في المملكة. سأكتفي في هذه المساحة الضيقة بالتعرض لارتفاع موجة المد الاحتسابي في المعرض الأخير بشكل لفت إليه أنظار الجميع بما في ذلك بعض المحطات التليفزيونية والصحف العالمية مثل البي بي سي والسي إن إن والغارديان البريطانية والوول ستريت الأمريكية، حسبما أشارت إليه جريدة الحياة (17 مارس 2014م). بعض أوجه ارتفاع الموجة الاحتسابية التي لم تغب عن المعرض في كل أعوامه على أي حال تمثلت في «سحب» أو «مصادرة» أو «منع» بعض الكتب لبعض الكتاب والمؤلفين لعل أبرزهم الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. كان المشهد الذي تمت فيه «الغارة الاحتسابية» على دار رياض الريس دراماتيكياً، أو هكذا أريد له أن يكون لإحداث الأثر المرجو من «مصادرة» و «كرتنة» الأعمال الكاملة للشاعر الكبير الذي تصادف تاريخ ميلاده (13 مارس) مع وقت انطلاق المعرض. كما كان لصديقه الشاعر الفلسطيني الراحل أيضاً، معين بسيسو نصيبه من المصادرة، وهو ما حدث أيضاً مع الشاعرين العراقيين الكبيرين بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي حسب ما نقلته الصحف المحلية. ولم يحصر المحتسبون هجومهم على الكتب فقط، بل إن آثار ذلك الهجوم طالت بعض الأنشطة المصاحبة للمعرض، حيث اعترضوا على آخر أمسيات البرنامج الثقافي بدعوى اشتمالها على شعراء من الرجال والنساء، كما طالبوا بإيقاف مسرحية «يا ورد من يشتريك» بدعوى احتوائها على مقاطع موسيقية. (صحيفة عكاظ – 15 مارس). مثل هذه الممارسات التي نغصت صفو هذا الحدث الثقافي هذا العام، كما فعلت في أعوام سابقة وإن كان ذلك بشكل أقل حدة، يجب أن تتوقف، أو أن تُوقف بالأحرى، لأنه من غير المنطقي ومن غير المقبول أن تفرض فئة ما وطيف ما من أطياف المجتمع رؤاه وتأويله وفهمه لما يعتقد أنه من موجبات الدين الصحيح على بقية أطياف المجتمع التي تشكل الشريحة الكبرى منه.