من المعلوم أن الثقافات تختلف من مجتمع لآخر، وأن أهم ما يميز هذه الثقافات هو تنازعها وتصارعها على البقاء والانتشار، وأن ما يُساهم في انتشار ثقافة مجتمع ما، هو جهل المجتمعات الأخرى بها من حيث سبب النشأة وأيضا النتائج والعواقب لها ومن ثم تسربها في أوساط تلك المجتمعات، وهذا ما يسمى بالتقليد الأعمى. تقول إحدى الفتيات: في أحد الأيام اتصلتُ على والدتي التي كانت عند خالتي وقلت لها: إن فلانة أختي قد هربت من البيت، فما كان من أمي إلا أن سقطت، وأخذت خالتي الهاتف وفي محاولة مني لاستدراك الأمر وإخبارها بأنني كنت أكذب وأن هذه كذبة أبريل إلا أنني لم أفلح فقد تركوا الهاتف وانشغلوا بوالدتي المغمى عليها. لن أتطرق إلى حكم الكذب في الشرع وعواقبه أو نظرة الناس للكاذب ودوافع الكذب والطبيعة النفسية للكاذب واستمرائه عليه دون خجل أو حياء. فالكذب بطبيعة الحال ممقوت لدى الأمم كلها، وحتى قبل الإسلام ولما جاء الإسلام أكد على تحريمه وزاد من التحذير منه وتبيين عواقبه. ولا شك أن الناس يبحثون عمن يثقون بهم ولا تتولد هذه الثقة إلا من خلال الصدق سواء في الأقوال أو الأفعال لذا نحتاج إلى سنين حتى نوجد بصيصاً من الثقة في نفوس الآخرين في حين أن هذه الثقة قد تزول عند كثيرين بمجرد كذبة واحدة ولو كانت من قريب. ولكن بالنظر إلى الغرب وتخصيصهم لهذا الشهر بالكذب ما يدعو إلى التعجب، في البداية أنا لا أنزه الغرب عن الكذب ولكن قد يكون لديهم شغف للكذب لأنهم يعيشون – معظم السنة – بصدق مع أنفسهم ومجتمعاتهم ومؤسساتهم وأهدافهم وخططهم، لذا من الطبيعي أن نراهم يتفننون في أنواع الكذب في هذا الشهر بل وتجدهم في شوق إليه (حبيب جاء على فاقة). ومع هذا فإنهم وإن أبدعوا في هذا الشهر فإنهم لن يبلغوا نصف إبداعنا من الكذب لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف.. فمن حيث الكم فإن ديننا الحنيف قد استثنى ثلاث حالات من الكذب بالنص الصريح ولكننا لم نكتف بها، بل ضاعفناها أضعافا مضاعفة، وأما من حيث الكيف فحدث ولا حرج سواء بالأقوال أو الأفعال وبداية بمؤسساتنا ومنظماتنا وهيئاتنا وانتهاء بأصغر فرد في مجتمعنا إلا من رحم ربي. ولعلنا نرجع إلى الوراء قليلا ونتذكر ما حدث في السعودية على وجه الخصوص في أبريل 2009 عندما اشتهرت تلك الكذبة التي روج لها الإعلام بشكل كبير عن وجود مادة الزئبق الأحمر في ماكنات الخياطة من نوع سنجر (أبو أسد) القديمة، حتى أصبح الجميع يبحثون عنها في كل مكان ووصلت أسعارها في بعض المناطق إلى مائة ألف ريال.. فهذا مثال لكذبة أبريل التي راح ضحيتها الكثير، وفي نفس الوقت غني بسببها كثيرون. إن في تخصيص هذه السلوكيات بأيام وشهور دعوة إلى تخصيص مزيد منها فقريباً سيظهر يوم الغش ويوم الكسل ويوم النوم وشهر الزعل والبصل (على أنقاض شهر العسل) وهكذا دواليك. مالم يكن هناك مبادرات حكومية ومؤسساتية للتحذير والتصدي لمثل هذه الثقافات الدخيلة والمقيتة وإلا فمجتمعاتنا في تقبلها كالإسفنجة في تشربها لكل ما يسكب عليها. سؤال! هل هناك جهة مسؤولة عن التصدي لمثل هذه الظواهر والسلوكيات التي تمس الأفراد وليس الجهات؟!