تصور قارئي الكريم هذا المشهد: اتصل صديق على أصدقائه واخبرهم انه تعرض لحادث أليم وانه نقل على أثره إلى المستشفى فطلب من بعضهم التوجه إلى مكان الحادث لسحب السيارة والآخرين بالذهاب إليه في المستشفى ، وعندما توجهوا إلى المستشفى والى موقع الحادث لم يجدوا شيئا سوى كذبة في النهاية!! ويقول احدهم – في مشهد ثان - انه عازم على نشر عدد من الأخبار الكاذبة وإرسالها بالجوال بقصد التسلية والسخرية بالمغفلين الذين يصدقون أي شيء ويعتبر ذلك مجاراة لسلوك العالم!! أمثال هذه القصص ليست من نسج الخيال ولا حتى من مقطع تمثيلي أو مشهد درامي إنها من القصص الحقيقية التي رواها من يتنبى المشي على طريق "كذبة إبريل" ، وهذا ماورد على لسان ذلك الشخص وصرح به لاحدى الصحف التي أجرت تحقيقا صحفيا عن "كذبة إبريل " ومدى زحفها إلى مجتمعنا.. كذبة ابريل باختصار تقول لك : عليك أن تكذب كذبة ما ، ومن ثم تسعى لتروجها بكل ما تستطيع وبما تمتلك من وسائل حديثة كالجولات والبريد الالكتروني ، ومواقع الانترنت .. الخ. كذبة ابريل لم تختص بنماذج معينة وإنما توسعت أكثر وأكثر حتى أصبحت الصحف أو أخبار المنتديات أو حتى على مستوى الناس يتناقلون خبر نعي فلان وحادث علان ، خصوصا من مشاهير الرياضة والفن ، والكثير مما يعنى بهذه الشخصيات ، وكلها في النهاية قصص مفتراة لا أساس لها من الصحة ، وتصب في جدول ( كذبة ابريل) . كذبة ابريل قد تكون في بعض الأحيان محزنة ، وتسبب للضحايا مآس عديدة ، إن تصادفت لهم حادثة ما وتقاطعت مع شهر إبريل .. تأمل معي هذه القصة ومن ثم اربطها بحديثنا.. امرأة استغاثت من شرفة منزلها ، وبدأت مذعورة وأخذت تنادي على الناس المارين في الشارع ، فلم يعيروها اهتماما ، ولم يلتفت إليها أحد وسبب استنجادها أن بيتها تعرض لحريق أتى عليه وأكل الأخضر واليابس ، ولسوء حظها فقد صادفت هذه الاستغاثات أول أيام ابريل ، وظن المارة أنها مجرد كذبة ؛ لأن الناس في هذه البلدة اعتادوا على مثل ذلك ، الخلاصة أنه لم يتقدم لنجدتها أحد رغم كل استجداءاتها وصراخها ! إذن اعتاد الكثير من الناس على ممارسة الكذب وإطلاق الشائعات في اليوم الأول من شهر "ابريل" من كل عام ميلادي وهو ما يعرف بكذبة ابريل ، حيث يعطون لأنفسهم الحق في الكذب على الناس لإيقاعهم في مواقف طريفة بقصد التسلية والترفية فيقع الآخرون ضحية هذه الشائعات. من أين جاءت كذبة إبريل؟ لم يعرف أصل هذه العادة فبعضهم يرى أنها جاءت من اليونان حيث كانوا يحتفلون بطقوسهم الدينية ويرافقها بعض المقالب للمحتفلين. ويرى د .محمد الشويعر في كتابه "عادات وافدة" إن هذه العادة قدمت من النصارى حيث إن كبار رجال الكنيسة عرف عنهم الكذب على الناس ، وان واحدا منهم أراد أن يبرر لأكاذيبه لما كثرت وانكشف : بأننا في فصل الربيع وهو الذي يبتهج فيه الناس والطيور والحيوانات ، فنحن البشر يمر بنا فصل بين فصلين ، بين الشتاء وثلوجه وبرده وما يتركه من كآبة للناس وبين الصيف الذي يلفح بحره فعلينا أن نعبر عن أنفسنا بهذا الأسلوب .. وفصل الربيع يبدأ في شهر ابريل الشهر الرابع من السنة الميلادية. ما موقف الإسلام من أمثال هذه العادات الوافدة التي بدأت تنتشر في مجتمعاتنا وتتلقفها الألسن ؟ هذه العادة يحرمها الإسلام فالكذب محرم بوجه عام فلا يوجد فيه كذبة بيضاء أو سوداء ولا كذبة ابريل ، لما يسببه الكذب عموما من فرقة وانعدام الثقة والصدق بين أفراد المجتمع ؛ والإسلام لا ينهى عن شيء إلا لمصلحة من وراء تحريمه. وهذه الظاهرة بدأت تزحف إلى مجتمعنا – وللأسف - نتيجة الانفتاح العالمي ، إذ تحول العالم على أثره إلى قرية صغيرة فما يحدث في أقصى الشرق يعرفه الغرب ، وما يحصل في الغرب يعرفه الشرق ، وقد لاقى هذا إعجابا من شبابنا في تقليد الغير حتى لو كان محذورا في ثقافتنا. وأعتقد أن من أهم الأمور التي نجابه بها كذبة إبريل هي التوعية الراشدة الفاعلة عبر وسائل إعلامنا والتي من المفترض أنها تنبض بواقعنا بغية إصلاح ما تعج به أحوالنا من مآس آلت إليها في خضم السيل الجارف من تيارات العولمة. للتواصل [email protected]