لكلّ شعب من الشعوب ثقافته التي يستمدّها من تاريخه القريب أو البعيد، ولكلّ طائفة أو جماعة أو قبيلة أو شعب ميزاته الخاصة، وهواياته وتقاليده التي – ربما- لا يشاركه فيها أحد، فلا ضرر إذن أن يكون لبعض سكّان الجزيرة العربية محبة للإبل وعناية بها واهتمام؛ لا سيما وهي تشكّل إرثاً ثقافياً كبيراً وممتداً عبر العصور، ليس أوله العصر الجاهلي الذي كان للإبل فيه مكانة عظمى وعشق حقيقي من قبل الجاهليين، حتى وجدناها تأخذ حيزا كبيرا من شعرهم: يقول طرَفة بن العبد: وإني لأُمضي الهمَّ عند احتضارهِ بهوجاءَ مِرقالٍ تروح وتغتدي وليس آخر اهتمام العرب بها قول الشاعر البدوي: يالله أنا طالبك حمراً هوى بالي حمراً من الجيش طفّاحٍ جنايبها! كل ما سبق من كلام هو أمر حيادي وطبيعي لشعب يمارس أبسط حقوقه في العشق! لكن الأمر غير الطبيعي أن يكون ل(ناقة) تمتلك (سناماً) ذا مواصفات خاصة قيمةٌ أكبر من قيمة الإنسان أضعافاً مضاعفة! وغير طبيعي أيضاً أن تقام لهذه الناقة احتفالات يملؤها البذخ والإسراف في وقت يموت فيه أحدهم في مستشفيات المناطق الحدودية، لأنه لا يملك واسطة تأخذه إلى مشفى من مستشفيات العاصمة! وغير طبيعي ولا مقبول أيضاً أن تكون هذه الاحتفالات تعمل على تأجيج النعرة القبلية في زمنٍ تتسابق فيه الأمم على الدراسات التي تمهّد لإمكانية العيش في كواكب أخرى! إن ثقافة (الهياط) القبلي وروح التنافس العنصري الممجوج بدأت تنتشر انتشاراً مخيفاً في ظل هذه المهرجانات، لابأس في أن نحتفل بتراث أجدادنا بطريقة حضارية بعيدة عن الإسراف والتباهي والقصائد المأجورة والتعنصر البغيض الذي يهدد وحدة الوطن ويجعل الانتماء للقبيلة أكبر من الانتماء للوطن.