وشاعرنا هو المثقّب العبدي وهو من شعراء ربيعة، ويقال إنه من الطبقة الثانية ولكن نونيته هذه في رأيي تضعه ضمن شعراء الطبقة الأولى وهو يستهلها كعادة شعراء الجاهلية بالغزل ولكنه غزل يتسم بالإباء والأنفة فهو صارم على نفسه وعلى صاحبته: أفاطمُ قبل بينك ودعيني ومنعك ما سألت كأن تبيني فلا تعدي مواعد كاذبات تمرّ بها رياح الصيف دوني فإني لو تخالفني شمالي خلافك ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك اجتوي من يجتويني والقصيدة كالكثير من قصائد الجاهلية، تبدأ أيضاً بالبين كما قال الأعشى: ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعاً أيها الرجل ولهذا يتساءل بعد حين: لمن ظعن تطلع من صبيب فما خرجت من الوادي لحين وهو سؤال يرد على لسان العديد من شعراء الجاهلية، ويقال إن ثلاثة عشر شاعراً جاهلياً استخدموا صدر هذا البيت ومنه زهير بن أبي سلمى: تبصّر خليلي هل ترى من ظعائن؟ والرحيل أيضاً مكتوب عليه فهو لا يستقر في مكان واحد كدأب الشعراء الجاهليين، وقد يكون الرحيل لمجرد جلاء الهمّ: فسلّ الهمّ عنك بذات لوث عذافرة كمطرقة القيون ذات لوث: أي ناقة قوية. وكما يقول طرفة: وإني لأمضي الهم عند احتضاره بعرجاء مرقال تروح وتغتدى وهو بالطبع يصف ناقته: وهو أيضاً صارم مع ناقته شديد عليها فهو كما قلت لا يكاد يستقر في مكان واحد: تقول إذا درأت لها وضيني أهذا دينه أبداً وديني أكلّ الدهر حل وارتحال أما يبقى علي وما يقيني والوضين: الحزام، والمعنى إذا حزمها. وهو أيضاً صارم مع أصدقائه حتى لو كان أميراً مثل عمرو ابن هند: فإمّا أن تكون أخي بحق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطّرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني ولكنه في النهاية ورغم صرامته وبأسه ضعيف أمام القدر ولا يملك أن يتحكم في مصيره ولا يعرف الغيب المخبأ عنه: وما أدري إذا يممت أرضاً أريد الخير أيهما يليني هل الخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبتغيني