«المرأة» كلمة عادية متداولة وتذكر في كل وقت وزمان، لكن وبمجرد ظهور كلمة التخصيص بجانبها وتجنيسها لتكون «المرأة السعودية» يبدأ سيل عديد من التساؤلات والاستفهامات والحديث ذو شجون لدى كثيرين. تتعرض المملكة العربية السعودية دوماً لانتقادات حادة عندما يتعلق الموضوع بالمرأة السعودية، انتقادات قد تكون معظمها مبنية على فراغ أو فقط لتوجيه اللوم دون التحري عمن يجب أن يكون الملام الحقيقي أو من يجب أن توجه أصابع الاتهام له إن صح التعبير. مما لا يعلمه كثيرون من مطلقي هذه الانتقادات أن عملية التغيير لن تتم بهذه السرعة وهذه السهولة وأن العرف والعادة غلب لدى بعضهم الدين والتطور. وأن المعارضة أو الخلل الذي تتهم به المملكة غير صادر من حكومتها بل من شعبها وعاداته الموروثة منذ الأزل، واستند بذلك على تصريح وزير العمل السابق -رحمه الله- الدكتور غازي القصيبي عندما قال «نتيجة للاهتمام المتنامي من حكومة بلاده في توسيع فرص عمل المرأة السعودية، استمر مجلس القوى العاملة في دراسة عمل المرأة من جميع جوانبه، وخصوصا في ظل ازدياد أعداد الخريجات السعوديات من الجامعات، حتى صدر قرار مجلس الوزراء رقم «120» وتاريخ 1425/4/12 ه الذي تضمن إجراءات عديدة لزيادة فرص ومجالات عمل المرأة السعودية». موضوع المرأة شائك جدا والتغيير الذي نراه في الوقت الحالي هو ليس تغييرا وليد اللحظة وليس اهتماما انبثق في يوم وليلة بل هو موضوع بدأ مما لا يقل عن ربع قرن عندما بادر مجلس القوى العاملة في عام 1400 هجرية بإجراء عدة دراسات لتنظيم عمل المرأة في المملكة العربية السعودية مع مراعاة النواحي الشرعية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بهذا الموضوع. قد يغضب رأيي التالي بعضهم لكن رؤيتي الفعلية هي أن التغيير لن يحصل ولن يتم إلا إذا آمنت المرأة بذلك وسعت له، وعلمت ما لها من حق وما عليها وحققت ما تصبو إليه بعيدا عن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي لا تمت للدين والأخلاق أو حتى العقل بشيء! أنا أؤكد هنا أن الحق الذي يطالب به خارج إطار الشريعة الإسلامية هو موضوع غير قابل للنقاش ولكن الحق الذي يطالب به خارج العادات والتقاليد هو حق واجب، وأن الخوف المبني على لا شيء يجب أن يزال بمنح النساء الفرصة لإثبات عكس ما يتوهم به المجتمع ولمحو تلك النظرة الدونية التي نواجهها من بعض العقليات الغريبة التي ترى أن المرأة «ناقصة عقل ودين» -دون الفهم الصحيح لهذا الحديث حيث بين عليه الصلاة والسلام أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى فتزيد في الشهادة أو تنقصها ونقص الدين يعزي لعدم صلاتها وصيامها في الأيام المحظورة. لكن بعض العقليات تفسرها كما تود دون الخوض في المعنى الحقيقي. ولا ينظر للمرأة كما قال صلى الله عليه وسلم «إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم». من المؤسف المفرح أن نرى نماذج من النساء السعوديات يبرزن ويتميزن ويتم تقديرهن لكن خارج حدود وطنهن، لا لشيء إلا لأن عائق العرف الموضوع أمامهن قد زال ولأنهن وجدن بيئة لا تنظر لما هو جنسك بل لما يقدم عقلك بعيدا عن أي تجاوزات أو أي مخاوف وهمية خلقها المجتمع بنفسه ومن ثم صدقها!! بعيدا عن النظرة التشاؤمية، وعن العوائق التي نسعى جاهدين لإزالتها فالمستقبل مبشر بكل خير، فتاة اليوم لم تعد فتاة الأمس، وغدت المرأة تعرف ما لها من حقوق وما عليها وكيف تضع حجما وقيمة لعقلها وإنجازاتها ومكانتها بالمجتمع مزاحمة بذلك النصف الآخر بكل ثقة وحزم وإصرار. فتياتنا اليوم محملات بأحلام بحجم الكون ودافعية وحماس لا يوقفها أي سد عرفي، ورغباتهن الكبيرة في اقتحام مجالات ومسارات عمل جديدة لم تعهدها هي أو حتى المجتمع ما هي إلا خطوة مبشرة بتغيير النظرة السائدة في المجتمع السعودي والإقلال من الهاجس الاجتماعي المحاط بها، بمجرد أن يمنح المجتمع المرأة حقها في خدمة وطنها اجتماعياً وعلمياً وثقافياً ستتغير كثير من الأمور وسينهار بلا شك في مرحلة ما هذا السد العرفي الاجتماعي.