أثرت المدنية بشكل كبير على سطوة العادات القبلية، وغيرت كثيرا من مفاهيم أبناء القبائل خلال السنوات الماضية، كما أن مشايخ القبائل ورؤساءها لم يعد يكسبون تلك النظرة المألوفة بسبب بعد المسافات وتغيرات العصر، لدرجة أن بعض أبناء القبائل، خصوصا الشباب لا يعرفون حتى الأسماء أو الصور الشخصية لمشايخهم. وشهدت الفترة المعاصرة العديد من التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شملت ميادين الحياة كافة، إلا أن هناك بعض الرواسب والعادات التقليدية التي مازالت هاجسا أمام تلك التغيرات الميدانية، مثل بعض العادات والتقاليد التي يرى البعض أنها لا تنسجم مع العصر وتطوراته، ولعل الصورة تتضح أكثر في قضية عمل المرأة ونظرة القبيلة لها اتفاقا أو اختلافا. على الرغم من ذلك إلا أن هناك تراجعا في سطوة العادات والتقاليد على المجتمع، بيد أن تلك السطوة أمسكت بتلابيب الرجل دون المرأة من باب صيانتها والحفاظ عليها، وما زالت التقاليد تتصدى لأدوار تقليدية تحول دون خروج المرأة من إطارها التقليدي إلى أدوار مستحدثة تتفق مع التطورات التنموية الاجتماعية من جهة، ومع طموحات المرأة من جهة أخرى، ومن خلال تلك الرواسب الاجتماعية حرم على المرأة حقوق وواجبات كفلها الشرع، وجاء التحريم من باب سد الذرائع والخوف من المجهول، وكل تلك الهواجس الفكرية تعوق قدرة المرأة على تحقيق تواجدها الاجتماعي ومشاركتها الفعالة للمجتمع. تلاشي سطوة الزعيم خالد هدوان، يرى أن العادات القبلية سمة لجميع مواطني المملكة، ومهما حاولنا أو حاول البعض أن يلغيها فلن يستطيع، قد يكون هناك ضعف لها في بعض الجوانب، لكنها تظل قوية في جوانب كبيرة أخرى من حياة أفراد القبيلة، وتقل بشكل كبير في جانب بعض العادات التي ترتبط بالجانب الاقتصادي، مثل الإسراف في بعض مظاهر الحياة كما تبرز بصورة جلية في جانب العصبية والحمية القبلية، والأمر يحتاج إلى جهد كبير حتى يتم وضعه في سياقه الصحيح. إلى ذلك، يرى كثير من أبناء القبائل أن سطوة وحظوة ومكانة شيخ القبيلة، لم تعد كما كانت عليه في السابق وذلك لأسباب كثيرة من أهمها، عدم وجود تواصل مباشر بين أبناء القبيلة وشيخهم، ومن الأسباب بعد أبناء القبيلة، حيث أثر مقار أعمالهم في مدن ومناطق بعيدة على قوة التواصل، حتى أن كثيرا من شباب أبناء القبائل لا يعرفون مشايخ تلك القبائل معرفة مباشرة. تقاليد ضد المرأة في المقابل، يرى الشيخ الدكتور غازي الشمري أن العادات والتقاليد الاجتماعية هي من تساعد على انتشار النظرة المتدنية للمرأة، ويؤكد ذلك بقوله «هناك من ينظر إلى المرأة وبكل ما تقوم به من أعمال بعين الازدراء وعدم الاحترام لها»، ثم يواصل الدكتور الشمري «ليس هذا فحسب، بل إن بعض العادات والتقاليد تجاوزت المعقول فأصبحت تمنع المرأة من حقوقها الشرعية مثل حق الميراث، وطلب الخلع والنظرة الشرعية وغيرها من الحقوق الكثيرة التي أسقطت عن المرأة بغير وجه حق، مما يترتب على ذلك العديد من الأضرار السلبية التي تعود على المرأة والمجتمع في آن واحد». ويوضح الشمري أن هناك من يخلط بين الحياة الاجتماعية بعاداتها وتقاليدها والقيم والتعاليم الدينية، فمثلا عندما يذكر أن للرجل مثل حظ الانثيين لا يعني ذلك أن الإسلام جاء مشجعا لتلك العادات والتقاليد المقللة من شأن المرأة وأهميتها، لكن الغرض من ذلك أن يلزم الرجل بالنفقة فهو من يجب عليه العمل والنفقة لذلك جعل حظه مثل حظ الانثيين. طلاسم اجتماعية مانعة أهمية المرأة ومكانتها في الإسلام من الثوابت. وقد قدمت المبادئ الشرعية جوانب هامة في تكريس الحق فمنح الأم حق الحضانة، كما ضمن لها حرية الرأي في مسألة الخلع دون الرجوع إلى ولي الأمر، كما منحها حق النظرة الشرعية التي حرمت على الكثير من الفتيات رغم أهميتها في الحياة الزوجية، لكن تلك الطلاسم الاجتماعية هي من وقفت في وجه المرأة حتى أن الكثير منها يتعارض مع تعاليمنا الإسلامية والتي تعود على المرأة والمجتمع بالنفع والفائدة. الأصل هو بقاء المرأة في بيتها، أما عن عمل المرأة فيبين الشيخ غازي، أن الأصل هو بقاء المرأة في بيتها، ولكن هذا لا يعني أن الإسلام يمنع أو يحرم عمل المرأة، بل هو مباح بشرط أن تتحقق الضوابط الشرعية فلا يكون هناك اختلاط بين الرجال أو تقصير في حق الزوج والأبناء، كما يجب على المرأة مراعاة اللباس الشرعي أثناء العمل ونحوه، وغير ذلك لا يحق لأحد أن يمنع المرأة من العمل مادامت لم تتعارض مع شريعتها الإسلامية. حزمة التقاليد الاجتماعية تشير سيدة الأعمال فاطمة محمد، أن هناك كما كبيرا من العادات والتقاليد التي تقف في وجه حركة تفعيل دور المرأة ونشاطها في جميع مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتقول، «في اعتقادي أن ذلك يعود إلى تلك العادات والتقاليد التي مازالت ترسم دورا نمطيا للمرأة دون الرجل على الرغم أن المرأة تشكل نصف المجتمع، كما أن الرجل يشكل النصف الآخر، لكن المجتمع بأسره هو من صور أن المرأة لم تصل إلى أن تشكل نصف المجتمع بل هي بحاجة الرجل دائما، وفي حاجة إلى تعليماته وقيوده، حتى وصلنا إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الزواج والطلاق والتعليم والعمل والوظائف والمرتب الوظيفي. كما أن العادات الاجتماعية المتوارثة أصبحت قاعدة غنية تغذي بعض المعتقدات». أميرة العبود، تتفق مع رأي سيدة الأعمال فاطمة محمد وتضيف أن المجتمع يجب أن يأخذ المنحى الإيجابي للاعتراف بحقوق المرأة كاملة، وأنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من محاور التنمية بجميع تطلعاتها، ولا يمكن أن تؤدي أي جهود تنموية في المجتمع مع إغفال دورها، وبالتالي ستصبح النظرة للمرأة أعمق باعتبارها أحد المنطلقات الرئيسة لمفهوم التنمية. تفكيك العوائق مصطنعة تؤكد على ذلك فتوح العليان، وتقول: «لا توجد عوائق أمام عمل المرأة فالشريعة السمحة تبيح للمرأة العمل، بل ويعطيها حق تولي المناصب وممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك توجد بعض الصعوبات التي مازالت حاجزا أمام طموحات المرأة مثل العادات والتقاليد المتأصلة في المجتمع، ومنها النظرة الدونية للمرأة العاملة أو منع المرأة من مزاولة بعض الأعمال، كما تواجهها بعض الصعوبات التي تحد من طموحاتها مثل إقبال بعض الجهات على توظيف الرجل، فضلا عن المرأة لأنه باعتقادهم أن المرأة لا تستطيع الإلمام بعملها ولا تتحمل مسؤولياته التي تتطلب حيانا الغياب الطويل عن البيت أو التنقل أو السفر الطويل. وتؤكد فتوح على أن عمل المرأة وما تواجهه من صعوبات لا يواجه المرأة السعودية فحسب بل هي معاناة لدى نساء العالم ككل، ولكن حدة هذه الصعوبات تختلف بحسب الثقافات الاجتماعية التقليدية حول مكانة المرأة ودورها في المجتمع. مفهوم خاطئ لتعليم المرأة نورة العبد الله ترى أن السبب في إغفال دور المرأة وحقوقها في المجتمع هي النظرة الدونية للمرأة وهي النظرة المكتسبة من عادات المجتمع وتقاليده، فعلى الرغم من دور المرأة المنتج الذي تقوم به في المجتمع إلا أن هناك استغلالا وقهرا واضحا للمرأة من الرجل وهذه نتيجة واضحة للأوضاع الاجتماعية والمعيشية التي تترتب على المرأة الصمت الدائم أمام الموروثات الاجتماعية. وتوضح منيرة خالد، مديرة مدرسة، بعض العادات والتقاليد التي تحد وترفض إكمال المرأة لدراستها وتفرض عليها مراحل معينة من الدراسة وسط مفهوم شائع أن المرأة المتعلمة والجاهلة سواء، متناسين أن انتشار الأمية والجهل بين النساء وباء، وتواجد المرأة المتعلمة يسهل من القدرة على التكيف مع التطورات، أما الجاهلة فتغرق في أعماق التخلف والأمية وعدم القدرة على مواكبة التطورات. مصادرة رأي المرأة وتؤكد على ذلك مروى علي لتقول إن بعض العادات والتقاليد تأخذ أحد أشكال العنف النفسي ضد المرأة خاصة عندما يتم مصادرة رأيها ومنعها من التعبير عن حقها والمشاركة، أو تجاهل رأيها في قضاياها الشخصية، فهناك فتيات كثيرات يتم إجبارهن على الزواج دون أخذ رأيهن في ذلك أو تزويجها من رجل يكبرها سنا أو يصغرها وهي ترى عدم مناسبتها لذلك الرجل، وتقترح سارة الخالدي، طالبة جامعية، أن إصدار قوانين إلزامية على الأسرة تفرض عليهم حق النظرة الشرعية مثلما حدث مع تطبيق الفحص الإلزامي لأن ذلك سيعود بالاستقرار على الزوجين. وتبين المعلمة أريج خالد أن الإعلام ساهم في التحيز للرجل ضد المرأة وساعد في نشر العادات، فجميع القضايا المتناولة في البرامج التلفزيونية لا تعالج قضايا المرأة بصدق، بل تعكس صورة سلبية للمرأة بأن تجعلها في دور الخائنة أو المغتصبة أو الساحرة، فلا يمكن للمجتمع أن يتطور أو يتغير من دون تحرير المجتمع من المفاهيم المعاكسة لواقع المرأة. مسح الصورة الشائعة الطالبة الجامعية ريم العجمي ترى أن العادات والتقاليد ستبقى كما هي تتوارثها الأجيال القادمة إن لم يتم التدخل بشكل صارم لتغيير بعض المفاهيم المتأصلة، ويجب على وزارة التربية والتعليم أن إعداد مناهج دراسية متخصصة بشؤون المرأة ومكانتها ودورها في المجتمع حتى يكون هناك تقبل لصورة المرأة الطموحة والعاملة.. حتى تتهالك تلك العادات العاثرة أمام المرأة شيئا فشيئا. وتنوه شريفة حسين أنه لا بد للسماح للمرأة أن تكون عضوا فعالا في المجتمع ويجب أن نمحو تلك الفكرة الخاطئة في عقولنا عن المرأة بأنها ضحية أو ضعيفة، وتتفق معها في الرؤية نوف العتيبي، وتقول «الإسلام متأصل في نفوسنا وفي مجتمعاتنا، فلا نحتاج لتلك العادات والتقاليد أن تقتحم حياتنا، فالمطلوب هو التوعية والنشر بشكله الإيجابي لا التغطية والانقياد وراء عادات وتقاليد بالية».