لم تصمد لدينا سوق الأسهم وكذلك أسعار السلع التموينية وبعض الجسور والطرقات التي انهارت عقب سنوات قلائل من إنشائها ولا حتى مباني جدة التاريخية، كما صمد مهرجان الجنادرية الذي يسدل الستار عن فعالياته يوم غد الجمعة بعد ثلاثين عاماً من افتتاح أول نسخة له عام 1405 ه وتحوله من مجرد سباق للهجن يديره الأثرياء إلى موقع يعج بالتراث والثقافة يقام سنوياً على مساحة ستة كيلومترات. يؤكد صانعو المهرجان الذي سمي تيمناً بإحدى الروضات، وهو الاسم الذي تطرق له كثير من المؤلفين والرحالة منهم ابن الحائك الهمذاني في كتابه صفة جزيرة العرب حيث تحدث عن الجنادرية باعتبارها من الروضات الملحقة بوادي السُّلي في وسط الرياض، إن الأهداف الحقيقية له تتمثل في التأكيد على القيم الدينية والاجتماعية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ لتصور البطولات الإسلامية لاسترجاع العادات والتقاليد الحميدة التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف وإيجاد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة العربية السعودية والعمل على إزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي وكذلك تشجيع اكتشاف التراث الشعبي وبلورته بالصياغة والتوظيف في أعمال أدبية وفنية ناجحة مع الحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الإهمال والعمل على صقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه إلى واجهة المخيلة الإبداعية ليكون في متناول المبدعين خيارات من موروثاتهم الفنية بألوان الفن والأدب وأيضا تشجيع دراسة التراث للاستفادة من كنوز الإيجابيات كالصبر وتحمل المسؤولية والاعتماد على الذات لتدعيمها والبحث في وسائل الاستغلال الأمثل لمصادر البيئة المختلفة والعمل على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الأدوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية والفنية. لا شك أن تلك الأهداف رائعة من حيث الصياغة والمضمون، ولكن من حقنا أن نستفسر بعد أن أصبح مهرجان الجنادرية هوية للوطن ومناطقه المختلفة، لماذا يحمل اسم الجنادرية التي لا تمثل إلا بقعة صغيرة من هذه البلاد ومعنى رمزيا للتجديد حيث يشير معنى كلمة جنادرية إلى مصدرها جندرة، والجندرة كما في لسان العرب: وجَنْدَرْتُ الكتاب إذا أمررت القَلَم على ما دَرَسَ منه ليتبين، وفي القاموس المحيط: وجَنْدَرَ الكتابَ: أمر القَلَمَ على ما دَرَسَ منه، أليس من الأولى الآن أن يكون تحت مسمى أوسع ليشمل جميع ثقافات الوطن وموروثاته. أنا على يقين أن هناك ملايين السعوديين من الكبار والصغار لم يستطيعوا زيارة هذا المهرجان طوال سنوات عمرهم الطوال بسبب فعالياته التي تقام بالتعارض مع أوقات أعمالهم ودراسة أبنائهم، وهو ما يؤكد أنه بات من الضروري بعد كل هذه السنوات الثلاثين أن يكون لإنسان المناطق الأخرى غير الرياض والقصيم وما جاورها حظ في مشاهدته والتمتع بفعاليته، سواء من خلال جعله مهرجاناً متنقلاً يقام سنوياَ في إحدى المناطق السعودية أو جعل انطلاقته متوافقة لأيام الإجازات الصيفية أو اليوم الوطني ومهرجانات الصيف ليستمتع الجميع به. لا يمكن لنا اليوم وبعد النجاحات المتوالية للجنادرية إلا أن نؤكد على ما حققه من منجزات ثقافية وفكرية من خلال نشاطاته المتنوعة ويتطلب منا أيضا تقديم الشكر لمنظميه الحاليين الذين أبلوا بلاءً حسناً في ابتكاره ورعايته، ولكن حان الوقت له أن يكون هناك دور رئيسي وفاعل لوزارة الثقافة أو هيئة السياحة والآثار، عليّ أعتبر أنها الجهة الأكثر منطقية لرعاية مثل هذه الفعاليات المهتمة بالإرث التراثي والثقافي التي من مسؤولياتها كما يقول مسؤولوها، أنها أنشئت بهدف اعتماد السياحة قطاعاً إنتاجياً رئيسياً في الدولة، خاصة فيما يتعلق بجذب المواطن السعودي للسياحة الداخلية، وزيادة فرص الاستثمار وتنمية الإمكانات البشرية الوطنية وتطويرها وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطن ورعاية الموروثات، وهو بكل تأكيد ما يتوفر فيما يسمى بمهرجان الجنادرية حالياً.