على مساحة 6 كيلو مترات مربعة، يقدم مهرجان "الجنادرية" سنويا ما تكتنزه الثقافة العربية في السعودية من أوجه الأدب والثقافة والتراث الاجتماعي من شتى أنحائها المترامية، من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق. في وسط الجنادرية أنشئت قرية التراثية، استمدت اسمها من روضة كانت تُسمى روضة سويس على مسافة 45 كم في الجهة الشمالية الشرقية من وسط العاصمة الرياض. الكثير من المؤلفين الذين كتبوا عن المنازل والديار في بلاد اليمامة تطرقوا للجنادرية، فالجغرافي الرحالة ابن الحائك الهمذاني تحدث في كتابه "صفة جزيرة العرب" عن الجنادرية باعتبارها من الروضات الملحقة بوادي السُّلَي (وسط الرياض). والجنادرية في اللغة جندر الثوب ونحوه: أعاد رونقه بعد ذهابه؛ وجندر الكتابَ ونحوه: أمرَّ القلم على ما درس منه ليتبيَّن؛ وجندر الشيء: صقله بالجندرة، والجندرة: آلة خشبية تُتَّخذ لصقل الملابس وبسطها. قد تكون لفظة "جنادرية" مأخوذة من كلمة الجندرة على العاملين في حقل الجندرة. ولروضة الجنادرية التي كان أهل الرياض يقصدونها بعد نزول الأمطار وظهور النبات والأزهار في الربيع، مكانة عالية في قلب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حيث منها انطلق المهرجان، وأطلق عليه اسم مزرعة الجنادرية عام 1975. بدأ المهرجان تجريبياً تحتضنه الجنادرية "بسباق الهِجْن الكبير"، ولم تتوقف طموحات "الحرس الوطني" عند هذا السباق، بل أرادت أن تعطي المؤسسة بعداً ثقافياً وفكرياً في عام 1985. تم تطوير سباق الهِجْن الكبير ليكون مهرجانًا وطنيًا للتراث والثقافة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز "رحمه الله"، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز "ولي العهد آنذاك"، وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة "ولي العهد آنذاك". الراحل الشيخ عبدالعزيز التويجري "عراب الجنادرية" لخص رؤية الحرس الوطني للمهرجان باعتبارها جسرا بين الأزمنة "يحيي رجال الحرس الوطني قائدهم الأعلى ويرحبون به في هذا المكان من قلب الصحراء الذي يحاول فيه أبناؤكم ورجالكم "عسكريين ومدنيين" أن يستحضروا هنا شيئاً من حياة الآباء والأجداد في عصر تباعدت فيه الخطى بين الأمس واليوم، فالأمس الذي مضى كانت سفينة الصحراء فيه الجمل، واليوم صارت سفينة الفضاء ومراكب العصر وجماله أكواماً من الحديد ألفها عقل الإنسان وذهنه من مادة هذا الكون، ففي الماضي القيم والمثل العليا والتراث وحياة الآباء والأجداد، فيه آدابهم وسلوكهم، وما نراه اليوم حاضراً سيكون ماضياً في غد وهكذا". وبعد عامين من انطلاق المهرجان الرسمي، قرر المنظمون إقامة ندوة ثقافية كبرى يشارك فيها كبار المثقفين والمفكرين العرب. وتخصص الندوة كل عام موضوعاً معيناً يقدم فيه الباحثون والمفكرون أوراق عمل ودراسات علمية متخصصة.