يظن كثيرون أن الفكر المخالف، خاصة المنحرف منه، يمكن تقييده وإزالته وإنهاؤه بالشدة والقوة والقتل والتنكيل بأصحابه، والحق والواقع خلاف ذلك كله. فالفكر لا يقابل بالقتل والتنكيل، وإنما يقابل بالعلم والحجة، وبيان ما عند المخالف من زيغ وانحراف، وما لديه من خير وإحسان. نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يبدأ دعوته بالسيف والقوة، وبعد 13 عاما أذن الله تعالى له باستعمال القوة لحماية نفسه وأتباعه من ظلم الآخر لا من أجل قتله. وفي الحاضر، لدينا مثال ونشهده جميعنا، وهو الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب التي يقودها الغرب، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية. فبعد أكثر من عقد على هذه الحملة، لم نجد لها نتائج تذكر، بل ازداد الشر والبلاء في العالم كله، وخسرت أمريكا كثيرا. خسرت أبناءها وأموالها، وجلبت العداء والاستعداء لها. وها هي أفغانستان قد عادت لما كانت عليه، وها هو الغرب يهرب منها كما هرب من العراق، بل يبحث عن طريق يحفظ له ماء وجهه. جميع الملل والنحل والأفكار كلها مسطرة مدونة، وما زال يحملها بعض منا عبر السنين. فلكل فكر من يتبناه ولكن بدرجات متفاوتة. وقد يقوى أو يضعف هذا الفكر أو ذاك في زمن من الأزمان، وقد يموت سريريا ولكنه لا يزول أو ينتهي، فجميع الأفكار والعقائد مات أصحابها وبقيت أفكارهم وعقائدهم في الكتب مسطرة وفي الأذهان مذكورة متبناة ومبينة. فالقوة لا تولد إلا قوة، والقتل لا يولد إلا قتلا، والدمار يقابل بالدمار، هذه هي الحقيقة. ولهذا أصبح كثيرون منا يبغضون الغرب ويتمنون خوض الحروب والصراعات معهم، وهذا يثبت أن الفكر لا يقابل بالسلاح والقوة، وإنما يقابل بالعقل الراجح والفكر الموزون أولا وآخرا.