كشفت تصريحات المتحدث باسم المؤسسة العامة لصوامع الغلال التي أدلى بها ل «الشرق» ونشرت في عدد أمس، عن اقتراب موعد الحسم فيما يتعلق بالجدل الذي دار لفترة حول القمح المستورد ومستويات اعتمادية المملكة عليه. وبدا واضحاً أنه لا تراجع عن استراتيجية وقف الاعتماد على القمح المحلي اعتباراً من 2016، لكن ثمة عديد من التساؤلات التي تطرح نفسها الآن، بشأن جودة القمح المستورد مقارنة بالمنتج محلياً، ومدى مأمونية ثبات أسعاره عالمياً، ويمثل هذان العاملان عنصرين جوهريين فيما يتعلق بالقمح المستورد. لكن هذا ليس كل ما في الأمر، إذ إن المتاح من معلومات في تصريحات مسؤولي «الصوامع والغلال» لا يكفي لطمأنة المستهلك فيما يتعلق بجودة القمح المستورد؛ إذ لا تكفي عبارات مثل «أجود الأنواع»، «أعلى المواصفات» للتعبير عن جودة القمح، ما دام في الإمكان توفير معلومات دقيقة عن الوارد من القمح مقارنة بالمحلي، وهي مقارنات مازالت مفقودة. ويبدو أنه قد آن للصوامع أن تحدد مستوى جودة المستورد من القمح، حيث تضاربت حتى الآن التصريحات التي نَسَب بعضها للقمح المحلي جودة عالية بعكس الأنواع المستوردة، على حد ما كشف رئيس اللجنة الوطنية للمخابز في مجلس الغرف السعودية في تصريح ل «الشرق» في نهاية شهر ديسمبر من العام 2013، في الوقت الذي تتداول تصريحات حول جودة المستورد؛ ما جعل المستهلك يتشكك في تلك الجودة استناداً إلى عدم وجود قياسات دقيقة توضح كلا الاتجاهين. وبينما أكدت «صوامع الغلال» أن ما يعنيها في الأمر هو جودة الدقيق المنتج، سواء كان محلياً أو مستورداً، حيث تكفي المحسنات المضافة على أيٍّ منهما لمواءمة المواصفات المطلوبة. لكن تقارير عربية أكدت أن جودة القمح المستورد مسألة نسبية تعتمد على النوع والغرض من الاستخدام وعلى بلد المنشأ. ولم تحدد الصوامع حين كشفت عن ترسية الدفعة الأولى من القمح المستورد لهذا العام 1435/1436ه بكمية 715 ألف طن ذات المنشأ الأوروبي والأمريكي والأسترالي، مصدر هذا القمح، لأنه في حال كانت نسبة عالية منه من فرنسا فقد يكون القرار في حاجة إلى إعادة تفكير، حيث ثبت أن معدلات الرطوبة في القمح الفرنسي مرتفعة إلى الحد الذي يهدد فرص تخزينه لفترات معينة، ولم تكشف الصوامع عن قيمة الترسية، وإن كانت المؤشرات السعرية تدل على أنها قد تصل إلى 695 مليون ريال. وتمثل كميات القمح الطري في تلك المناقصة ما نسبته 17% بواقع 120 ألف طن، ومعلوم أن القمح الطري يخصص لإنتاج الحلويات، أما الصلب فيوجه بصفة أساسية لإنتاج الخبز وبعض منتجات المكرونة، لكن المؤسسة طمأنت إلى أنها تحرص على استيراد القمح بأعلى المواصفات، وتمثل الكمية الأولى المتعاقد عليها 27.5% من إجمالي الكمية التي يتوقع استيرادها من القمح في العام الحالي، التي تقدر بنحو 2.6 مليون طن، ولم تحدد المؤسسة كذلك طبيعة القمح المستورد، حيث يختلف استخدام كل منه حسب النوع، ما يجعل هناك نوعاً من الغموض بشأن هذه الكميات المستوردة. وتتحكم نسبة الرطوبة عادة في فرص تخزين وحفظ القمح، وقد تتسبب اختلافات بسيطة في نسبة الرطوبة في تباين كبير لدرجات القابلية للحفظ. حيث تؤثر نسبة الرطوبة في عوامل التلف الميكروبية والبيولوجية طوال فترة تخزينه وحتى يتم استخدامه وإعداده للطحن. ويتيح القمح الجاف والسليم الفرصة لحفظه أعواماً في ظروف التخزين الملائمة. وتتناسب نسبة الرطوبة عكسياً مع الأجزاء الجافة في القمح، فإذا بلغت نسبتها 13% مثلاً فإن الجزء الجاف فيها يصبح 87%، وتعدُّ نسبة الرطوبة أحد أهم المعايير الجوهرية للحكم على جودة القمح، وفي نظام فحص القمح الأمريكي وتحديد رتبته لا تعدُّ نسبة الرطوبة أساساً في تحديد رتبة القمح، ولكن تقديرها يجري ويسجل لكل العينات المأخوذة من شحنات القمح كمعلومات. وتتوقع مصادر أن تصبح السعودية ثاني أكبر مستورد رئيس للقمح في العالم بعد تحولها للاعتماد الكلي على القمح المستورد بحلول 2016 لتنافس بذلك مصر التي مازالت تحتل الصدارة في هذه السوق، ما يعني أن أسعار القمح ستشهد ارتفاعاً نسبياً مع بدء هذا التحول الجذري نحو الاستيراد، في ظل تقلبات أسعار القمح الناتجة عن تباين الإنتاج الروسي من عام لآخر. ومع بلوغ سعر البوشل من القمح «27 كيلوجراماً» إلى 7 دولارات، يتوقع أن يصل طن القمح الأمريكي المستورد إلى ما يعادل 972 ريالاً، وهو أقل من سعر الطن المحلي بنحو 23 ريالاً؛ ما يعني أن المملكة ستدفع هذا العام ما لا يقل عن 2.5 مليار ريال لتأمين 2.6 مليون طن من القمح المستورد، سترتفع بحلول 2016 إلى أكثر من 3.1 مليار ريال لتأمين وارداتها من القمح التي يتوقع أن تصل إلى 3.2 مليون طن، ما لم تطرأ زيادات على أسعاره لاحقاً، وهو أمر مستبعد؛ ما يعني أن الصوامع ستوفر 11.5 مليون ريال باستغنائها عن القمح المحلي. جدير بالذكر، أن القمح الصلب يتمتع بقيمة عالية لارتفاع محتوى البروتين فيه وجودة الجلوتين، وينتج القمح الصلب دقيقاً ذا خصائص مرغوبة في صناعة الخبز، بينما يستخرج دقيق الكعك والحلويات من القمح غير الصلب منخفض البروتين بنعومة مفضلة في صناعة مثل هذه المخبوزات، وترفع الصلابة من رتبة القمح عند تصنيفه، وثمة أجهزة دقيقة تستخدم لتقدير صلابة الحبة الواحدة بل وأجزاء من الحبة كأحد الخصائص المفيدة في تصنيف الحبوب. ولأهمية خصائص وزن وصلابة وحجم وشكل الحبة وسلوك الحبوب في عملية الطحن من حيث زمن الترطيب أو التكييف وضبط المسافة بين درافيل الطحن والتحكم في درجة تهتك أو تحطُّم النشا ونسبتها في الدقيق الناتج، فقد اُستُحدث نظام لقياس خصائص الحبة الواحدة SKCS، ويستخدم في قياس هذه الخصائص جهاز قياس خصائص الحبة الواحدة الذي يمكن من خلاله تقدير خصائص وزن الحبة وصلابتها باستخدام قوة الضغط، وكذلك تقدير رطوبة الحبوب بالتوصيل الكهربائي، حيث يتم تغذية الجهاز بعينة ممثلة من القمح في حدود 12 – 16 جراماً تستبعد منها الحبوب المكسورة وبذور الحشائش وباقي المواد الغريبة. ومن المهم أيضاً العلم أن للون القمح قيمة في تصنيفه، ومعلوم أنه ينقسم لونه إلى أحمر أو أبيض تبعاً للون الغلاف الخارجي للحبة أو النخالة، وهذان اللونان الأساسيان، إضافة إلى اختلافات معينة في حدود كل لون، هما أساس تصنيف القمح من حيث اللون بغرض تحديد رتبته، وهذه الألوان تمثل خصائص ترتبط بالسلالات، بينما تُعزَى الاختلافات في حدود كل لون إلى عوامل بيئية. وتشير دراسات مؤسسة القمح الأمريكي الممثلة لمزارعي القمح في الولاياتالمتحدة، إلى أن القمح الأحمر تسود زراعة سلالاته في شمال وجنوب أمريكا وأوروبا وأجزاء من آسيا، وأن القمح الأحمر الصلب يفوق غيره من الأنواع من حيث القيمة، خاصة على صعيد إنتاج دقيق الخبز أو للخلط بأنواع أخرى لهذا الغرض، بينما تستخدم أصناف القمح الأحمر غير الصلب في المقام الأول في صناعة الكعك والحلويات، وقد تستخدم بمفردها في بعض البلاد في إنتاج دقيق الخبز، وإن كان من المفضل عند إتاحة أقماح صلبة أن تخلط بها لتحسين جودة الخبز. ولا يعطي الوزن النوعي الناتج عن خصائص داخلية للسلالات اختلافات متوافقة بنفس القدر في معدل أو ناتج الدقيق، كما أن التداول المستمر لحبوب القمح وتحريكها قد يسبب تلميع قشرة الحبوب «النخالة» على سطح الحبوب الخارجي فيزيد الوزن النوعي دون زيادة في ناتج الدقيق. وعادة ما يكون القمح غير كامل النضج الذي تزداد فيه نسبة الحبوب الضامرة نتيجة الجفاف أو الأمراض، منخفض الوزن النوعي، ويعطي معدلاً منخفضاً من الدقيق نتيجة لذلك. وتميل أصناف القمح الأحمر داكنة اللون إلى الصلابة، وعادة ما تحتوي على نسبة بروتين أعلى تناسب إنتاج دقيق الخبز بدرجة أفضل من الأصناف الأقل احمراراً أو فاتحة اللون، أو تلك المائلة للاصفرار. ويبدو من المهم أن يسود تصريحات «الصوامع والغلال» نوع من الشفافية في هذا الخصوص، إذ لا يكفي أن يتم وصف جميع الصفقات بأنها من أجود الأنواع؛ إذ إن اختفاء المعلومات الأساسية اللازمة لتقييم المستورد من القمح فيه تأثير على مصداقية التصريح، وهي إشكالية بدت في شكوى عديد من المخابز من تدني جودة المستورد من القمح، في وقت نفاه مسؤولون وألقوا باللائمة على تدني قدرات المخابز، الأمر الذي يمكن تجاوزه ببعض من الشفافية. وقد يكون من المفيد معرفة المعايير التي تستند إليها الصوامع والغلال لدى استيرادها للقمح، خاصة على صعيد تقييم القمح المستخدم للطحن؛ حيث تختلف المعايير الأوروبية عن الأمريكية في جودة القمح؛ إذ قد يشمل معيار الاتحاد العالمي لكيمياء الحبوب والمعروف ب «بيساتز» شوائب سهلة الفصل ومواد غريبة وحبوباً تالفة أو ضامرة أو مكسورة، وأنواعاً أخرى من القمح، على عكس الأمريكي الذي لا يطبق هذا المعيار.