التكامل مطلبٌ وطني وهدف حضاري يسعى إلى تحقيقه كثيرٌ من العاملين في مجال التخطيط وإعداد الدراسات والإنتاج وتقديم الخدمات بأنواعها ومواقعها حكوميةً كانت أم أهلية، وحيث تعيش المملكة في هذا العهد الزاهر نهضة تنموية في مختلف المجالات ومنها التعليم يتمثل ذلك في تزايد عدد المدارس والجامعات بتنوع كلياتها وتخصصاتها مما يتطلب تضافر الجهود وتوحيدها؛ لإيجاد نوع من التكامل وتوفير الوقت والجهد والانتشار على نطاق واسع بعيداً عن الازدواجية والتكرار والمنافسة الضارة، وبالتالي فإن علينا أن نعطي الأولوية للتكامل بين هذه الجامعات وكلياتها وصولاً للكيف وليس الكم الذي يعيدنا إلى مربع البطالة، الذي مازال يعاني منه الوطن والمواطن على حد سواء الناتج عن تكاثر التخصصات النظرية، تلك التي لا حاجة لها؛ ولذا فإن الحاجة تتطلب استحداث جهاز وإيجاد (مركز) يوفر شبكة معلومات موحدة للتنسيق بين الجامعات يعمل تحت مظلة الوزارة للحد من الهدر المادي والجهد البشري وازدواجية الأعمال والنشاطات، ويهتم بما يلي: توحيد الهياكل التنظيمية والصلاحيات والإجراءات والمواصفات والجودة وسلم الرواتب والمزايا والحوافز. افتتاح الكليات والمعاهد والأقسام الأكاديمية ومعالجة النقص في قسم أو كلية أو جامعة. الحاجة لمزيد من كليات الطب والهندسة بمختلف التخصصات وزيادة طاقتها الاستيعابية من الخريجين. التعاقد من الخارج بعد حصر احتياجات كل جامعة والتخصصات المطلوبة. المؤتمرات والندوات والمعارض من حيث توحيد المشاركة الزمانية والمكانية. الحد من المنافسة في الشراء وطرح المشاريع وإرسائها. متابعة الخريجين والمبتعثين من هذه الجامعات وتسويقهم وظيفياً. الانتقال من جامعة لأخرى طالباً أو مدرساً أو موظفاً. النشاطات الرياضية بتشكيل فريق واحد يمثل (منتخب الجامعات). النشاطات والبرامج الموسمية والتوعوية والمراكز الصيفية والرحلات الطلابية. تنوع المشاريع البحثية والعلمية والمناهج والمقررات. معادلة الشهادات والتصدي للظواهر السلبية والشهادات المزورة. الاستفادة من الخبرات والتجارب السابقة لبعض الجامعات والأكاديميين ولو حتى بعد سن التقاعد. الحد من التوسع في المكتبات للجامعات والكليات والعمادات والأقسام؛ لما يتطلب ذلك من تكاليف مادية تتمثل في إنشاء المباني واستئجارها وتجهيزاتها وشراء الكتب وترتيبها، وتوظيف مزيد من العنصر البشري من أجلها، خاصةً مع وجود الشبكات الرقمية التي تجعل من مكتبة واحدة تغني عن البحث في مكتبات أخرى، وقد أصبحت مكتبات العالم ومراجعه وموسوعاته موجودة وميسرة للباحثين على شبكة الإنترنت، ما يغني عن غيرها من مكتبات ورقية متكررة على مستوى الجامعات، ونحن في عصر التعلم عن بُعد من خلال التعليم الإلكتروني والجامعات المفتوحة واحتفال بعضها بمرور ستين عاماً على تأسيسها. توحيد لجان التعاقد؛ فمثلاً هناك متعاقدون يتقدم أحدهم بأكثر من طلب عمل لأكثر من جامعة يفاوض ويساوم، وكأنه في مزاد علني، وأستاذٌ على وشك التعاقد مع هذه الجامعة نراه وقد استقطبته جامعة أخرى، وآخر يتم التعاقد معه في الخارج يستقيل قبل نهاية العقد بنية التعاقد مع جامعة أخرى، وآخر ينقطع عن العمل بهذه الجامعة خلال أقل من عام دراسي ليباشر العمل في جامعة أخرى ما أدى إلى أزمة ونشوء خلاف بين جامعتين؟ خفض أسوار المدارس، فكيف بالجامعات؟ فلماذا هذه الأسوار الخرسانية العالية والمكلفة القاتلة للجمال وكأنها على سجون أو دور أحداث ومصحات عقلية وليست على مدن جامعية أو طبية؟ حيث تستقطع جزءاً من اعتمادات المشاريع الجامعية، وما تحتاجه هذه الأسوار بين فترة وأخرى من صيانة، المطلوب أسوار لا تحجب الرؤية عما بداخلها من مظاهر لمنشآت حضارية خاصة مع وجود التقنية المتقدمة، خصوصا أن الحراسات الأمنية تعتمد كثيراً على الكاميرات الرقمية؛ فذلك أدق وأوثق وأقل كلفة وأكثر فاعلية. ها هي المدن والقرى تخلت عن أسوارها التي وجدت يوم كان الأهالي يحتاجونها في زمن الخوف، أما وقد توفر الأمن والاستقرار فقد انتفت الحاجة لمثل هذه الأسوار، كما انتفت الحاجة لسور الصين العظيم وسور برلين، وأصبح الاحتفاظ بأجزاء منها شيئاً من التراث والتاريخ القديم، مطلوب تحويل هذه الأسوار إلى سياجٍ شفافٍ لا يحجب الرؤية، ويمكن من خلاله غرس مفهوم الثقة والانضباط وبمحاذاته أرصفة عريضة يمكن استخدامها مضامير للمشاة مع شريط أخضر مزروع يكون متنفساً لأهل الحي والمدينة. ليست العبرة بحجم الاعتمادات وتعدد المباني وضخامة البوابات وطول الأسوار وارتفاعها، وإنما ما تنتجه هذه الجامعات من مخرجات تعليمية وكوادر مؤهلة للعمل، وخدمة أهداف التنمية، وما تقدمة من أبحاث وبحوث علمية لخدمة البشرية هو المعيار. هناك جامعات أجنبية بإمكانات مادية محدودة ومبانٍ متواضعة تمكنت من إبراز علماء ومخترعين، في حين يجري العمل لدينا على استقدام 5000 طبيب دفعة واحدة من جنسية واحدة. فالعالم من حولنا ينظر إلينا، فهناك دول أقل إمكانات مادية وبشرية استطاعت جامعاتها أن تستقطب وتبرز بكوادرها ومن ثم بتميز أبحاثها ومختبراتها وخريجيها وبراءات اختراعاتها، ومع المطالبة بالحد من مركزية الوزارة في أمور لا تستوجب التدخل في شؤون الجامعات، كما يجب ألا يتوقف دور الوزارة على المطالبة بالاعتمادات وإنشاء المباني. يفترض أن تكون الجامعات في المناطق الحدودية هي الجاذبة لما حولها من طلبة دول الجوار في التعليم الجامعي لا أن تكون هي الطاردة لأبنائها إلى دول الجوار. من الأهمية التوسع في عدد الكليات والتخصصات النوعية والمكانية التي تلبي احتياجات سوق العمل، فالملاحظ تمركز عدد من الجامعات والكليات في مدينة واحدة على حساب افتقار مدن أخرى، رغم حاجتها لواحدة من هذه الكليات بهدف تلافي الحوادث المميتة للطلبة والطالبات القادمين لهذه الكليات والمنصرفين منها على الطرق البرية، فقد أدى ذلك إلى نزوح بعض الأسر بكاملها وتفريغ بعض المدن من سكانها وشكّل عبئاً على مدن أخرى. رغم الكثافة السكانية ونسبة النمو المتزايد في عدد السكان لهذه المحافظات مثل (بيشة – القريات – الدوادمي – حفر الباطن – القنفذة – العلا – الوادي – صامطة – عنيزة – الرس – شرورة – الجبيل – ينبع) وحاجتها إلى جامعات وكليات نوعية متخصصة تلبي احتياجات تلك المحافظات وسوق العمل على مستوى المملكة غير أن ضعف الشفافية وتنامي المحسوبية حالت دون تحقيق العدالة في توزيع المرافق والخدمات بين مختلف المحافظات، وإلا كيف حُرمت تلك المحافظات وحتى توزيع الجامعات وكلياتها داخل المدينة الواحدة كالرياض مثلاً؛ حيث توجد في اتجاه واحد، ما سبّب إرباكاً للحركة المرورية. يحسن تسمية بعض الجامعات بأسماء المناطق والأقاليم وأخرى بأسماء شخصيات عربية وإسلامية، على أن يكون التعليم فيها متخصصاً بعلوم الطب والهندسة والفيزياء والفلسفة والقانون والاجتماع، خاصة أنه قد طغت المسميات الأجنبية على كثير من الأنشطة الحياتية التجارية والعقارية والسياحية، كما لابد من توزيع عادل للنشاطات والتخصصات الجامعية بين مختلف المناطق والمدن بدلاً من وجودها على مقربة مكانية، في حين توجد مدن أخرى تفتقر لمثل هذه النشاطات رغم احتياجها لها؟ بعض الخريجين والخريجات بدرجة علمية متميزة مثل مرتبة الشرف الأولى، يجري وضع العراقيل أمام توظيفهم؛ فيشترط سنوات خبرة ولغة إنجليزية، وكيف وهم لم يؤهلوا لذلك من قبل مع إمكانية تأهيلهم سواء قبل التوظيف أو بعده؟ ها هم خريجو وخريجات جامعاتنا يلجأون إلى القضاء بعد أن رفضتهم جهات حكومية وأهلية، فها هي جامعة نورة تفصل من تم تعيينهن من خريجاتها وتستبدلهن بغير سعوديات هن أقل درجة في الكفاءة والمؤهل، وها هي جامعة الإمام خريجو دبلوماتها مدفوعة الثمن لم يفلحوا في الاستفادة من شهاداتهم، وغيرهم خريجو الدبلومات الصحية والمعلمات البديلات والعاملون على البند وعقود التشغيل يواجهون نفس المصير؟ الحاجة إلى برامج للتحفيز وشحذ الهمم من خلال جوائز لأفضل عمل جامعي، وأفضل جامعة وكلية، وأكاديمي، وطالب متميز، ومختبر، وبحث، وبراءة اختراع، لا أن تذهب الجوائز المادية والمعنوية لمناسبات المجاملات تلك التي لا علاقة لها بمهام ومسؤوليات الجامعات، فالأقربون أولى بها؟ فها هي التقارير تشير إلى أن نسبة 82% من المهندسين العاملين غير سعوديين، ومنهم من شهادته مزورة، ومنهم من أسندت إليه مهام التصميم والتنفيذ لمشاريع البنى التحتية والإشراف عليها رغم ما لها من خطورة على تنمية الوطن. وها هي نسبة العاملين في المجال الصحي من أطباء وفنيين وممارسين صحيين لا تتجاوز نسبتهم 10% من عدد العاملين في القطاعين الحكومي والأهلي، وكذا المهندسين، وها هن المتقدمات للمعاهد التقنية العليا يتم إقصاء 91% منهن. نحتاج إلى إعلان خطة وطنية تلبي الاحتياج المتوقع لعدد من التخصصات العلمية والمهنية وفي مقدمتها الكوادر الطبية والهندسية، تأخذ في الاعتبار قيام وزارة التعليم العالي بالتنسيق بين الجامعات وتضعها أمام أهداف محددة؛ لتخرج عدداً من التخصصات المستهدفة تلك التي يتطلبها سوق العمل محلياً ودولياً من حيث العدد والنوعية، خلال مدة زمنية محددة على ضوء الاحتياج المتوقع لسنوات مقبلة، مع نسبة احتياطية يمكن تسويقها خارجياً في دول الجوار والبرامج الدولية. إلى متى والأمور بلا أهداف ولا خطط واضحة والأبواب مشرعة للاستقدام مع وجود وظائف ومقاعد دراسية جامعية شاغرة، في الوقت الذي تم فيه رفض قبول عديد من طالبي الطب والهندسة في حين هم الأولى بالقبول، ما جعلهم يضطرون للذهاب للدراسة على حسابهم خارج المملكة على أمل إلحاقهم بالبعثات أو التعرض للضياع.