تُعد قرية ذي عين في منطقة الباحة لوحة تراثية مجسمة، تؤصل الطراز المعماري القديم في كامل أناقته وبهائه إذ تتموسق المباني الحجرية على تلة من الصخور الجرانيتية البيضاء وتتمازج لتُشكل تكاملا عمرانيا وطبيعيا وجماليا، تُدهش الزائرين، ويزيد من جمال القرية انبجاس عين مائية من أحشاء الجبل المحاذي تجري مياهها كالفضة طوال العام مما هيأ لسكان القرية فرصة زراعة بعض المحصولات كالموز المتميز في شكله وطعمه والكاذي الذي يصبغ المكان برائحته الذكية، فضلا عن أنواع من النباتات العطرية الأخرى والفاكهة والخضراوات، وحرفة الزراعة قامت منذ ما يزيد على 600 عام – كما تؤكده بعض الوثائق القديمة – الأمر الذي أتاح فرصة الاستقرار واستثمار معطيات البيئة وقدح التفكير لبناء معماري متناسق يأخذ جانبين، الخصيصة الفردية في توفير احتياجات الأسرة، مع التناغم الجماعي بوجود الروابط والطرقات بينها، ولما كانت وما زالت «ذي عين» بهذا التناسق وهذا الإرث العمراني المتفرد فإن من الضرورة بمكان الاستمرار في الحفاظ على مبانيها، وهذا الذي تنبّهت إليه الهيئة العليا للسياحة والآثار حيث ضخّت مبالغ مالية في سبيل إعادة ما تهدّم وتصدّع بذات الأسلوب العمراني، وهي خطوة محمودة نتمنى الاستمرار في استكمال منظومة البناء بذات المفردة القديمة كي تزداد متانة ومقاومة للزمن ولفترات طويلة، أما الجانب الآخر فهو استثمار القرية سياحيا وتراثيا وثقافيا مع التركيز على الجانب الأخير «الثقافي» حيث لم يتحقق حتى الآن شيء يبهج، مما يستدعي زيادة تكثيف الاهتمام بهذا المنشط الفكري، لكون القرية إذا ظلت هكذا فإن الاستفادة منها دون المأمول، ولا تلبي الطموحات التي ينبغي أن تتحقق على أرض الواقع، وحتى تنال القرية نصيبها الثقافي فإن تشكيل لجنة بهذا الصدد أصبح مطلبا مُلحَّا، فضلا عن إمكانية طرح بعض الرؤى والأفكار التي ترفد مسار الثقافة، وإذا أعطينا بعض الشواهد التي تُدلل على إمكانية المنطقة وقدرات رجالها في تحقيق النجاح في مثل هذه المشاريع فإن ملتقيي الرواية والإعلام نموذجان مُطبّقان ويُسجلان النجاح للجهتين القائمتين عليهما حيث أصبح ملتقى الرواية الذي ينظمه أدبي الباحة علامة بارزة من بين المناشط الثقافية على مستوى الوطن، بما يتميز به من قيمة فكرية ومعرفية في هذا التخصص، كما جاء الملتقى الإعلامي الذي دشنه أمير منطقة الباحة مشاري بن سعود، بحضور معالي وزير الثقافة والإعلام وعدد كبير من المثقفين والإعلاميين على مستوى الوطن، وبناء على تلك الحيثيات فإن تنظيم مهرجان ثقافي ترويحي اجتماعي على أديم قرية «ذي عين» التراثية أضحى ضرورة لعدة اعتبارات: أولا: بهدف تنشيط الحركة السياحية صيفا وربيعا بتقديم هذه المفردة الجمالية والعمرانية (قرية ذي عين) للزائرين. ثانيا: استثمار إمكانات هذه القرية التي شدت أهداب عيون الزائرين سواء كانوا قادمين من داخل المملكة أو خارجها في خدمة السياحة والآثار. ثالثا: رفد الثقافة باعتبارها معطى فكريا وحضاريا مهما وبطبيعة الحال سوف تُحقق المتعة والفائدة الفكرية في آن واحد. رابعا: انعكاس الأثر الإيجابي على سكان القرية اقتصادياً حيث تصبح مزارا سياحيا وتراثيا على مدار العام. أما كيف يتم تنظيم هذه التظاهرة الثقافية المقترحة؟ فإن ذلك يكون بتشكيل لجنة من القادرين على البذل والعطاء في توسيع الفكرة وتحديد الخطوات والإجراءات العملية مع ضرورة اختيار الوقت والمدة المناسبتين كفصل الربيع الذي يزيد من فرص زيارة القرية لتمتع القطاع التهامي عموما بمناخ ملائم حيث الدفء الذي ينشده الزائرون من أعالي جبال السراة، فضلا عن اكتساء الأودية والجبال قطيفة خضراء من جراء الأمطار في مثل هذا الموسم، مع انبراء اللجنة في تحديد فعاليات المهرجان ونشاطاته كإقامة الندوات والمحاضرات ومعارض الفنون التشكيلية الفنية والعروض المسرحية والسينمائية وتقديم العروض الشعبية من عرضة ومسحباني ولعب وهرموج، وعرض وبيع المصنوعات اليدوية وتقديم نماذج مصغرة من الجص كمجسمات للقرية نفسها تبقى ذكرى للزائرين. وبهذا نستطيع القول إن «ذي عين» تصبح ذات شأن ثقافي وسياحي وتراثي مثلها مثل جرش الأردن وأصيلة المغرب وقرطاج تونس ويمكن القول إن مؤشرات النجاح مضمونة وبنسبة عالية إذا ما رأينا شواهد قريبة كسوق عكاظ الذي فتح نافذة تاريخية على الماضي وسجّل حضوراً متميزاً في سنوات قليلة.