تسيطر المسلسلات التليفزيونية التركية حاليا على سوق التليفزيون العربي بشكل لافت وتحقق نجاحات واضحة، وسواء على صعيد هذه المسلسلات، أو على صعيد الأدب التركي، لم يسبق أن وصل اهتمام الشارع السعودي بالثقافة التركية إلى المستوى الذي وصل إليه اليوم. ووسط قصة النجاح الذي تخطه الثقافة التركية الحديثة، يقف الشاعر هاشم الجحدلي، في حضوره المستمر في الساحة المحلية وعبر الوسائط الإلكترونية في الإنترنت أيضا، ليؤشر على أهم المحطات التي جمعت القارئ العربي بالأدب التركي الحديث، ويغوص في أعماق الإبداع التركي. ومن أجل ذلك فإن الجحدلي، وهو أيضا أحد المهتمين بحركة النشر الأدبي في العالم العربي، يطالع الإصدارات الجديدة وينقب في الأرشيف، ليفتح النوافذ على الأدب التركي المترجم إلى العربية، مقدما لنا تصوره الخاص عن الإبداع التركي. وعلى خلفية الحضور الطاغي للثقافة التركية في اللحظة العربية الراهنة، ووسط أصداء ترجمة روايات الروائية التركية الصاعدة بسرعة الصاروخ «إليف شافاق»، يستعيد الجحدلي، من ضفاف المكتبة وفضاء الذاكرة، علاقته الشخصية مع الأدب التركي الحديث على وجه التحديد، ويقدم رصدا تاريخيا فريدا في هذا الإطار. وتضم قائمة الأدباء الأتراك الذين أثروا الذائقة العربية أسماء مختلفة مثل ناظم حكمت وعزيز نسين وأورهان باموق ، وصولا الى إليف شافاق ، لكن الجحدلي يرى «أن أول حضور كثيف للأدب التركي الحديث كان عبر ناظم حكمت ولكن سطوة شعره جعلت صوته النثري يغيب، إلا أن عملا مثل ( الحياة جميلة يا صاحبي ) كان أكبر من كل شيء وسجل حضورا طاغيا في وقته»، ليتابع «أثناء ذلك كان يشار كمال عبر عمله الملحمي (ميميد الناحل )الذي ترجم بعد ذلك في القاهرة باسم ( محمد يا صقري) يحضر بقوة في المشهد وأن غاب صوته بعد ذلك حتى بدأت قبل سنوات تتوالى ترجمة أعماله». ويعتبر الجحدلي، الذي يعده كثيرون مرجعا في حركة النشر الأدبي العربية، أن «الروائي والقاص الأكثر حضورا و ترجمة كان عزيز نسين وكانت روايته ( زوبك) الأكثر دويا ورغم تعدد ترجمات أعماله التي تصل إلى الخمسين تقريبا إلا أن هذه الرواية هي الأكثر حضورا حتى أنها سرقت الأضواء من مذكراته التي صدرت قبل أعوام في جزأين ولم يلتفت لها كثيرون». ويرصد هاشم الجحدلي أن الروائي التركي نديم غورسيل حضر عبر الفرنسية في رائعته (صيف طويل في إسطنبول) «لكن توقفت ترجمته زمنا جعله يغيب عن المشهد حتى بدأت قبل سنوات تتوالى ترجمة أعماله من جديد» . لتبدأ مرحلة جديدة، يضيف الجحدلي، مع حصول أورهان باموق على جائزة نوبل، حيث «بدأ اهتماما كثيفا به بأدبه وترجمت أعماله أكثر من مرة بل وأعيدت طباعة الأعمال التي صدرت وترجمت قبل الجائزة». ولا ينسى الجحدلي وهو يفتح هذه النافذة على الأدب التركي الإشارة إلى «المترجم الأكثر شهرة في مجال الترجمة من التركية إلى العربية هو عبدالقادر عبدالله» (يتولى حاليا ترجمة معظم المسلسلات التليفزيونية التركية التي يعرضها التليفزيون العربي). ويتذكر الجحدلي، الذي يعد لمجموعة إصدارات جديدة أهمها كتاب عن المفكر الكبير عبدالله القصيمي، أن دار الفارابي هي أول دار نشر عربية سلطت الضوء على الأدب التركي الحديث، لكنه يكشف عن أن المغرب العربي لم ينشر أي ترجمة للأدب التركي الحديث وكانت كل الترجمات التي صدرت، حسب اطلاعي، مشرقية. ومنذ العام الميلادي 2000 وحتى الان، ترجمت عدة روايات لعدة أسماء لم تنل حقها من الذيوع ، ويذكر منها «أصلي أردوغان، مظفر ازغو، أشق سوقان، سرقان أوزبورون، فقير يايقورت، أورهان كمال، أحمد حمدي طنبار، وخلدون طائر». ولا ينحصر رصد الجحدلي على الأعمال المترجمة في القرن الجديد، لكنه يشير أيضا إلى أعمال فريدة صدرت في القرن الماضي « في عام 1969م ترجم أمين عام منظمة التعاون الإسلامي السابق كمال الدين إحسان أوغلي عدة نماذج للأدب التركي الحديث بمقدمة ثروت عكاشة وصدرت في القاهرة إبان دراسته بها وشملت عدة نصوص لعدة أسماء منها عزيز نسين وخلدون طائر» .ليصل بعد ذلك إلى اللحظة الراهنة ، حيث «إليف شافاق تكتسح المشهد بأعمالها وصدر لها حتى الآن: قواعد العشق الأربعون، لقيطة إسطنبول، وشرف». وتحت سحر الإبداع التركي الحديث، يختتم الجحدلي «أقرب الترجمات لقلبي وذائقتي هي: الحياة جميلة يا صاحبي لناظم حكمت، صيف طويل في إسطنبول لنديم غورسيل، زوبك لعزيز نسين، وقواعد العشق الأربعون لإليف شافاق».