سقط المطر في بيتها الصغير، حتى صار كأنه بلا سقف، ودخله البرد من حينه والرّعد والبرق، انبعثت رائحة خشب السّقف المبلّل بالمطر، صار هشاً ضعيفاً الذي بدأ يتشقق ويسيل لعابه عند كل غيث، وضعت ديمة أوانيها المنزلية في المواضع التي خَرَّ فيها السقف التي راحت تطقطق بأصوات كطرق الطبول بصوت عالٍ اعتادت سماع هذه الأهازيج وممارسة هذه الطقوس التي لا توجد إلا في بيتها، وربما اشترك فيها بعض بيوت القرية… بدأ طفلها بالبكاء: آهٍ، ليس الآن. لم تُعِر اهتماماً لصراخه منهمكة بجرف الماء خارج المنزل، أغلقت الباب ولكن الماء ظل يهرب إليها، إلى الداخل من تحت الباب المهترئ، فالشارع المنحدر بجانب بيتها سماء أخرى تمطر، الماء يتدفق بسرعة كبيرة، وما زال طفلها يبكي وهي تلعن نفسها، يكاد صوت الطفل أن يختنق في حنجرته من كثرة البكاء، ولو تركت الماء لغرقت هي وعائلتها… أيقظت ابنتها النائمة فترة الظهيرة. وهي تتثاءب عن ثغر فرس نهر ناعس: ماذا تريدين؟ - ساعديني بدلاً من النوم طوال النهار؟! - حسنا ماذا أفعل؟! - ألا تسمعين صراخ أخيك والطوفان من تحتنا ومن فوقنا السماء تمطر علينا؟!! بنفس بارد تقول: ماذا أفعل أنا! - أنتِ أسكتي صُراخ أخيك بمرضعته؛ بينما أقوم أنا بجرف الماء. انهمكت ديمة بجرف الماء عن فناء منزلها، فجأة سكت صراخ الطفل وغاب صوته، عندها استراحت ديمة عن همّ ابنها… توقّف المطر وقد انغمر بيتها بالماء وذهبت محاولات الإخلاء سدى… عادت إلى طفلها الذي تركته مع أخته على حافة السرير فلم تجده، خفق قلبها وذهبت مسرعة إلى ابنتها فلم تشاهده بين يديها!! - أين تركت أخيك؟! تجيب ببلادة – بعد أن أسقيته الحليب، تركته في فناء المنزل كي يكون على مقربة منك. صكّت وجهها وهرعت إليه مسرعة، كان الماء يغطّي جسد طفلها، وقد بانت كفّه الصّغيرة التي بدت ترفرف مستنجدة قبل ساعة دون فائدة، حركته بيدها الباردة، كان جسده متجمداً وروحه غادرت مع المطر…