مع أن جدرانه طينية ونوافذه متداعية، إلا أن له باباً يغلقه رب الأسرة حين يأتي المساء ليتوسد فراش الحصير. بيت كان يؤوي سبعة أفراد من أسرة فقيرة تستجدي خبز يومها من عمل والدهم الذي لا يحقق له حلم امتلاك بيت آخر. وحين أنعم الله على الرياض بمطرها الأخير تداعى سقف البيت، لتكون السماء سقفه والنجوم مصابيحه. تداعت حوائط الطين وقضت على ما تبقى في الذاكرة من ذكريات، وعلى رغم كونها أليمة، إلا أنها كانت «مستورة» بين جدران وباب. تتنهد أم سلمى وهي تخفي ألماً وحسرة على المنزل الذي كان يحتضنهم بين جدرانه، وقاوم من أجل سترهم عن الآخرين، حتى جاء اليوم الذي تداعت فيه الجدران وتكشفت فيه الأمور. وتقول: «بعد أن سقطت جدرانه لم يستطع أحد مساعدتنا إلا جيراننا الذين سمحوا لنا بالإقامة في منزلهم، وأصبح زوجي يسكن في شقق عزاب». وتستطرد وهي تنظر إلى ابنها الذي لم يتجاوز الأربعة أشهر: «لقد أصبحنا أسرة مشتتة، على رغم أن زوجي ليس لديه عمل سوى في الحراج، ولا يتجاوز دخله أكثر من 200 ريال شهرياً»، موضحة أن الإيمان بالله هو سلاحهم الذي يتحصنون به على هذه الظروف الصعبة. ما زاد من حجم معاناة الأسرة هو رفض مكاتب العقار التعامل مع رب الأسرة، بحجة أنه ليس موظفاً. لحظات وعبرات جعلتها تتخيل الليلة التي كادت تزهق أرواحهم جميعاً لولا رحمة الله بهم. وتروي أم سلمى قصتها: «بعد صلاة العشاء ونحن مجتمعون في إحدى غرف المنزل سمعنا شيئاً وقع، لم نتوقع أنه السقف، وبعد لحظات وقع السقف الآخر، ما جعل أطفالي ينهارون بالبكاء، وأصبح زوجي يحاول احتضاننا ودفعنا بعيداً، كي لا يقع شيء فوقنا، وفجأة أصبحت جدران المنزل تتساقط علينا كالمطر، ولم نستطع الخروج من المنزل لأن جدرانه احتجزتنا، وصار الموقف أكثر خوفاً بأن يقع علينا المنزل بأكمله». وتتابع: «فجأة سمعنا صوتاً ينادي من أعلى البيت، اصعدوا إلى سطح المنزل، اذ بادر جيراننا بوضع سلم كي ننزل إلى منزلهم، وخوفي على أبنائي جعلني أبادر بهم أولاً، وكنت خائفة هل سيقع الجدار الذي نستند عليه، وما جعلني اطمئن هو حضور الدفاع المدني الذي ساعدنا في الخروج، وبعد أن خرجنا من المنزل أصبت بإحباط عندما أخبرونا بأنهم لا يستطيعون توفير مسكن آخر لنا»، موضحة أنهم في تلك اللحظات لم يجدوا سوى الشارع والتشرد، لدرجة أن بعض الجيران والمحسنين أخذ يتصدق عليهم بالملابس. وسكتت لحظات وتنهدت بعمق: «أصبح لنا الآن أكثر من شهر، ونحن لا نعلم أين نذهب، أرهقنا بسبب التنقل من مكتب إلى آخر، بسبب البحث عن منزل يحتضننا، وأناشد أهل الخير توفير منزل يجمع شمل أسرتنا المشتتة ويحفظ لنا مستقبل أبنائنا».