إن المتابع لكثافة الأعمال الروائية التي تصدر في المملكة سنوياً «60 رواية عام 2011»، يستنتج أن الرواية باتت مرتعاً لكل أجوف لا يملك موهبة ولا خبرة ولا علماً، فبعد أن كانت الرواية ذات يوم من أهم الفنون التي تحكي واقع الشعوب وتحفظ تاريخ الأمم أصبحت مجرد سيرة ذاتية لأشخاص غير ناضجين أدبياً ولا ينتمون لحقل الأدب أو الثقافة. وفي ظل لهث بعض دور النشر وراء المال وتجاهل أهمية القيمة الأدبية قام كثير منها بنشر روايات ليست في المستوى المأمول «مراهق يعتمد في سرده على الإيحاءات الجنسية، وتلك تروج ليومياتها السمجة، وأخرى تقحم العامية بهدف إيصال ما عجزت عن إيصاله بالفصحى»، ولا نجد سوى السذج والفارغين ونقاد «فيسبوك» و«تويتر» هم الذين يصفقون لهم. هؤلاء الدخلاء اتفقوا جميعاً على تشويه أدب الرواية النقية القيمة لينتشر أدب نسائي غير متزن يتكاثر بطريقة غير منظمة وغير مقبولة، مراهقون يعانون من عقدة في نقص العاطفة وشذوذ جنسي ربما، كما تجد هذه الرواية أو تلك السيرة مليئة بالأخطاء النحوية وأخطاء في التصاريف الفعلية للغة العربية، وما هي سوى سرد تقليدي باهت، وكلمات مدوية وأخرى بذيئة، أفكار مكررة، حشو ساذج من أجل التفاخر بكمية الصفحات. عِلماً أن الكتابة الأدبية والرواية تحديداً تحتاج إلى فكر ونضج أدبي وتجارب عديدة، ومن غير المعقول أن يكتب أي كاتب رواية ما لم يمر بمراحل طويلة من الممارسة الكتابية. من هذا المنطلق ليس كل من كتب رواية فهو روائي ولا كل من كتب قصة فهو قاص وليس كل عمل أدبي صالحاً للقراءة. والرواية بوصفها فناً أدبياً يعتمد على الطول جعل كثيرين يخوضون الكتابة في مضمارها بعشوائية مع العلم أن الطول ليس العنصر الوحيد الذي يميز العمل الأدبي، إنما هناك عناصر فنية أخرى لا يصح تجاهلها ومن خلالها نستطيع تمييز الجيد من الرديء وتقييم الكاتب واكتشاف ما إذا كان موهوباً أو هاوياً أو دخيلاً. والكتابة الروائية كسائر الفنون الأدبية الأخرى تخضع لقوانين إن لم تولد مع الكاتب فيجب أن يتعلمها ويسعى لتحسينها باستمرار من خلال دخوله في ورش الكتابة اليومية، فالهواية وحدها لا تكفي. وكذلك من الأمور المهمة التي يجب أن يتعلمها كل روائي: دقة التصوير والاقتصاد في وصف الأحاسيس والانفعالات بطريقة جذابة مختصرة لا توقعه في الحشو الممل الذي يشتت ذهن القارئ عن أحداث الرواية ويعد شرطاً مهماً لنجاح روايته. إن افتقار أي رواية للحس الأدبي الذي يضفي عليها الدهشة في كل سطر سيجعل القارئ يشعر بالكآبة والملل والنفور السريع. كما أن تغيير الاتجاهات بمعنى التنويع في كل عمل روائي جديد يدل على ذكاء الكاتب ومدى شغفه وحبه وتعلقه بهذا الفن، وأن انفراده بأسلوب مختلف يجعله يتمايز ويبرهن على هويته الإبداعية، وأنه ليس روائياً تقليدياً، إنما هو روائي مبدع ذو أسلوب متفرد. أخيراً كقارئة للراوية أخشى أن تتلوث الرواية كما تلوثت المقالة بكثرة الوافدين الذين لا يملكون الموهبة ولا سابق تجربة.