مع كتابة هذه الأسطر نكون قد ودعنا عام 2013 ميلادية ودخلنا عاما جديدا، وهي أيام أتذكرها جيدا من مدينتي العجيبة حيث ولدت عام 1945. اسمها (القامشلي) فيها عشر لغات، وثمانية أديان، وعشرون لهجة، بين سريان وأرمن وآشوريين، وكرمنج وكرد وشيعة وداغستان، ومن بدو شمريين وحلبية وعلوية وماردليين (أنا منهم)، وشراكسة وشوام، وكلدان ودروز وكاثوليك، بل حتى المسيحية المنقرضة (النسطورية). كل شارع بلغة ومدرسة وكنيسة وفرقة موسيقية، وكل دكان بطربوش وطاقية وعمة وعقال وشرشوبة وشروال؟؟ كأننا في هوليوود في فيلم تاجر البندقية!! مدينة لم أحبها قط. شرانق تتبادل الريبة والكراهية من مجموعات عرقية غير متجانسة. والدي اعتمر الطربوش العصملي الأحمر، وخالي يونس من عشيرة طيء اعتلت هامته غترة وعقال، وقريب آخر لي أمه أرمنية من أيام (القفلات) وهو لا يعلم، أو يعلم ولا يصرح، وهي تلك الزيجات التي تمت أثناء الترحيل القسري للأرمن من تركيا في عشرينيات القرن الفائت، فأسلمن وحسن إسلامهن، وقصص التاريخ مرة حزينة.. لذا لا غرابة عندي إن ناقشت أرثوذكسيا عن سبب انشقاق الكنيسة عند صدع البلقان حول طبيعة الأب والابن والروح القدس، ومن أين اشتق روح القدس هل من الأب أم الابن أم من كليهما معا؟ أو كاثوليكيا لماذا يرسمون صدورهم بالصليب وهي «أداة قتل المسيح»؟ وهل يقدِّس أهلُ القتيل المسدس الذي قُتل به ولدهم؟ وهي حجة جماعة شهود يهوه عليهم. كنا نحتفل معهم في أعياد الميلاد، كما نحتفل برمضان والضحية. كان جارنا جوزيف بدكانه المختص يبيع العرق والويسكي. أصدقائي رافع أبو الحسن الدرزي، وهابو وأخوه جيجي الأرمني، وجودت وابن أخيه سمير العلوي، وجورج ابن الصائغ الكاثوليكي، ودنحو السرياني (أصبح لاحقا وزيرا)، ومروان شريف المردلي (شرد من البعث إلى الطليان لاحقا) من نفس ملتي، قبل أن يرسخ حزب البعث الطائفية إلى حواف الحرب الأهلية.. كان يوم عيد الميلاد عندنا يحتفل به بسبب كثافة المسيحيين في المدينة (كان ذلك) وكنا نحتفل معهم دون حرج. كما كنا نحتفل بأعياد الفطر والأضحى بكل التحضيرات. كان لليهود حارة خاصة بهم، وكان جدي رحمه الله يسكن في حارة اليهود، قبل أن يفروا إلى بني صهيون بدعاية ومال وتشجيع من هناك وتدبير في الخفاء من الرفاق رؤساء الفروع الأمنية البعثية العبثية. كيف يا ترى سيكون هذا العام؟ أتمنى لو خرقت حجب الغيب فقرأت. ولكن هيهات ..