ويذكر المؤلف في الاستهلالة التي تصدرت الكتاب: «إنه لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في تاريخ سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي في القرن العشرين. ولكن هناك اختلافًا كبيرًا في الآراء حول أهمية هذا الدور، فبينما علق العديد من المؤلفين الغربيين وغير السوريين أهمية كبيرة على هذا الدور اعتقادًا منهم أن تلك العوامل ظلت تحافظ على أهميتها حتى بعد أن حصلت سوريا على استقلالها، فإن العديد من الكتاب القوميين العرب والساسة السوريين رفضوا علنًا وبشكل تام وجهة النظر تلك خاصة عندما يتعلق الأمر بنظام يدعمونه. ويستطرد الكاتب أن الدافع للكتاب هو للتحقق من الحد والطريقة التي تلعب من خلالها الولاءات والالتزامات مثل العشائرية والإقليمية والقبلية في الصراع على السلطة في سوريا. وقد استعان الباحث بالعديد من الوثائق من أهمها وثائق حزب البعث التي لم تنشر غالبيتها حتى الآن. فيما صدر البعض منها من قبل القطاعين المدني والعسكري التابعين لجهاز الحزب إضافة إلى الدوريات ومحاضر اجتماعات ووثائق أخرى صادرة عن القيادة القطرية السورية للحزب ومكاتبها الفرعية. الفسيفساء الدينية والعرقية ويذكر الكاتب في المقدمة أنه بالرغم من التجانس الثقافي في سوريا، فإن سكانها الحاليين يتميزون بتنوع ديني وعرقي بشكل كبير. ويتحدث 82,5% من سكان سوريا العربية، ويشكل المسلمون السنة 68,7% من السكان. ويشكل المسلمون السنة الذين يتحدثون العربية غالبية السكان (57,4 %) . أما المجموعات الباقية فيمكن تقسيمهم كأقليات إثنية ، أوأقليات دينية. ويشكل العلويون الأقلية الدينية الأكبر (11,5%)، يليهم الدروز (3%)، ثم الإسماعيليون (1,5%). أما الأقلية المسيحية فيأتي على رأسها الأرثوذوكس اليونان (4,7%) . ويأتي الأكراد على رأس الأقليات الإثنية (8,5%)، يليهم الأرمن (4%)، ثم التركمان (3%)، والشركس. ويلاحظ أن الأكراد والتركمان والشركس ينتمون في الأغلب إلى الإسلام السني، فيما ينتمي الأرمن إلى المسيحية (أي إنهم أقلية دينية وعرقية). ويشكل السنيون الأغلبية في كافة المحافظات السورية باستثناء اللاذقية والسويداء حيث يشكل العلويون الأغلبية (62,1 %). وفي محافظة السويداء (جبل الدروز) يشكل الدروز الأغلبية (87,6%) ويقطن غالبية الإسماعيليين في السلمية ومصياف، أما غالبية الأكراد فيقطنون المناطق الشمالية المتاخمة لتركيا. ويعتبر المؤلف أن سياسة «فرق تسد» التي مارستها سلطة الانتداب الفرنسي خلال سيطرتها على سوريا منذ نهاية الحرب العظمى حتى نالت سوريا استقلالها عام 1946 ساهمت إلى حد كبير في تكريس الصراع الطائفي عندما عمدت تلك السلطات إلى تحريض الطوائف. وكان الهدف الأكبر من هذه السياسة التصدي لتيار القومية العربية الذي ظهر بقوة في ذلك الوقت. وقامت تلك السلطات في في غضون ذلك بتشجيع النزعات الانفصالية لدى تلك الأقليات فمنحت منطقة اللاذقية ذات الأغلبية العلوية حكمًا ذاتيًا، وكذا فعلت الأمر نفسه مع جبل الدروز الذي كانت تقطنه أغلبية درزية. العلويون تحت المجهر يهمنا بطبيعة الحال تسليط الضوء على العلويين، حيث يذكر المؤلف أنهم ينقسمون إلى أربعة عشائر هم: الخياطين-الحدادين-المتاورة والكلبية وهم يتمركزون في اللاذقية والمناطق المحيطة بها. وتنتقل زعامة العشيرة بالوراثة، لكن في بعض الأحيان يمكن حصول أحد أفراد العائلات الفقيرة على زعامة العشيرة عن طريق مميزات شخصية، مثل عائلة الأسد. وكانت مناطق العلويين أكثر مناطق سوريا تخلفًا وفقرًا، ووصل بهم الأمر إلى حد إنهم كانوا يرسلون بناتهم للخدمة في منازل الأثرياء السنة. لكن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية لم تتلبث أن تحسنت منذ الاستقلال، تحديدًا بعد تسلم حزب البعث السلطة سنة 1963 عندما بدأت منطقة اللاذقية تتمتع بدرجة متفاوتة من النمو والتطور. واتجهوا إلى التعليم واستطاعوا من خلال أقاربهم الذين تسلموا مناصب عليا في حزب البعث الحصول على منح والدراسة في الخارج فأصبح منهم الأطباء والمهندسين والمحامين وأساتذة الجامعات. وفي عقد الثمانينيات شهدت سوريا حركة نزوح للكثير من العلويين من مناطقهم الجبلية الرئيسة في اللاذقية وما حولها نحو حماة وحمص ليتزايد بذلك عدد القرى التي يقطنونها. واستطاع العلويون في عقد التسعينيات إزاحة السنة من غالبية المناصب العليا في الدولة بما في ذلك البعثات الدبلوماسية. والحقيقة التي خلص إليها المؤلف أن العلويين ما كان لهم أن يسيطروا على تلك المناصب ومراكز القوة في الدولة لولا حزب البعث حيث كان الهدف الرئيس للحزب رفع الاضطهاد عن الأقليات من خلال إنشاء نظام اشتراكي علماني خالي من التعصب السياسي والاجتماعي والاقتصادي. صعود نجم العلويين ويذكر دام أن السنيين كانوا يعزفون عن الانخراط في السلك العسكري في فترة الانتداب الفرنسي «لأنهم لا يريدون أن يظهروا بمظهر العملاء لفرنسا»، تاركين هذا المجال للأقليات -خاصة العلويين والدروز، لكن بالرغم من ذلك ظل الجيش منذ استقلال سوريا عام 1946 حتى وصول البعث إلى السلطة عام 1963، حيث بدأت سيطرتهم على الجيش تتقلص في ظل استيلاء العلويين والدروز على المناصب العليا. وبعد أن أزاح العلويون الدروز (سليم حاطوم) بدأ الصراع فيما بينهم، تحديدًا بين صلاح جديد وحافظ الأسد، الذي استطاع عام 1970 فرض سيطرته على مقاليد السلطة في سوريا بالقوة. وفي الطبعة الرابعة من الكتاب جرى تضمينه حقبة بشار بالتأكيد على أن النظام ظل يحتفظ بنفس الخصائص التي كانت في زمن والده، والتي اعتبرها الابن ضرورة لا يمكن التخلي عنها لاستمرار الهيمنة على الحكم. بل أن أساليب بشار اتسمت بدرجة أكبر من العنف، وهو ما أمكن ملاحظته من خلال متابعة أساليب القمع الوحشية التي اتبعها النظام في التصدي للثورة الشعبية، وكان بإمكانه الحيلولة دون هذه الاضطرابات لو أنه خفف من تلك الأساليب وقام بخطوات عملية للإصلاح.