قد يكون ملف البيئة المدرسية أهم الملفات المطروحة على طاولة وزير التربية والتعليم الجديد الأمير خالد الفيصل، التي قد تتطلب منه جهداً كبيراً خلال المرحلة المقبلة. ولا يقتصر الأمر بالنسبة للبيئة المدرسية على المباني وإن كانت المباني المدرسية هي محورها وقاعدتها الأساسية. ورغم الحلول التي باشرتها الوزارة في هذا الاتجاه، مازالت المباني المدرسية المستأجرة تشكل حالة أشبه بالصداع المزمن انطلاقاً من المعاناة التي تتسبب فيها تلك المباني، ليس فقط لكوادر التعليم بل وللطلاب والطالبات أيضاً، وليس فقط على صعيد مدى ملاءمتها العملية التعليمية، بل والأهم على صعيد توفر معايير السلامة فيها. ووقعت حوادث عديدة، قد تكون قليلة نسبياً ولكن تركت أثراً كبيراً على مختلف المستويات في المملكة كان محورها الأساس ضحايا من الطالبات والمعلمات شكلت الدافع الرئيس وراء مراجعة أوضاع المباني المدرسية، وأسفرت عن رصد مليارات الريالات لمعالجة أوضاعها. وأنجزت الوزارة خلال السنوات الخمس الماضية 3720 مشروعاً استفاد منها مليون و700 ألف طالب وطالبة، يمثلون 33% من إجمالي الطلاب والطالبات. وأشار مسؤول تنفيذي في شركة المباني المدرسية التابعة لشركة «تطوير التعليم القابضة»، التي تسلمت ملف المباني بعد تعثر الشركة الصينية، عن خطة لخفض عدد المباني المدرسية المستأجرة من 20% إلى 15% خلال عامين، فيما يجري تنفيذ 2260 مشروعاً مدرسياً من المقرر أن تنتقل إليها 2859 مدرسة، منها 1484 مدرسة مستأجرة. وكشف المسؤول عن خطة لتسلم 520 مشروعاً مدرسياً جديداً للبنين والبنات من المقرر أن تنتقل إليها 680 مدرسة، منها 390 مدرسة مستأجرة، إضافة إلى 79 مدرسة محدثة، و32 مدرسة تم استبدالها لعدم صلاحيتها العملية التعليمية، إضافة إلى 179 مدرسة تم فصل مراحلها عن مباني قائمة للحد من زيادة الكثافة الطلابية في المدارس القائمة. ولا يمكن الحديث عن البيئة المدرسية دون التطرق إلى مفرداتها الأخرى، المادية والبشرية. وإن كانت التجهيزات المادية تشكل حجر الزاوية في كل نشاط تربوي، إذ لا يمكن الحديث عن رفع مستويات التحصيل العلمي دون التطرق إلى ملاءمة المبنى المدرسي النشاط المرغوب. فلا يُعتقد أن يكون هناك أي نشاط بدني ما لم تتوفر في المدرسة ملاعب متخصصة ومؤهلة لمباشرة هذا النشاط. ولا يمكن الحديث عن تهيئة الفصول للتحصيل المناسب دون أن يرتبط ذلك بتهيئتها من حيث التهوية والإضاءة والكثافة. ويصعب الحديث عن بيئة آمنة وتتمتع بصيغ السلامة المتعددة دون حديث عن مبانٍ متطورة تتمتع بشبكات إطفاء جيدة، وتمديدات كهربائية أقل احتمالاً للمفاجآت الخطرة، وتمديدات مياه وصرف تحول دون اهتراء البناء وتساقطه، ومخارج ومداخل آمنة تحسباً للحالات الطارئة. ومؤخراً، شرعت خمس جهات حكومية في إجراء مسح شامل لجميع المدارس الحكومية والأهلية في جميع مناطق ومدن المملكة، للتأكد من سلامة المباني المدرسية وتقييم مدى صلاحيتها، وتوافر إجراءات الأمن والسلامة فيها. واستعانت وزارة التربية والتعليم بالدفاع المدني وأمانات المدن والمرور وشركة الكهرباء، لرصد جميع الملاحظات على المباني المدرسية، ومنحت تلك الجهات صلاحيات بإغلاق المدارس التي تشكل خطراً على الطلاب. ووضعت اللجنة الخماسية نصب أعينها مهام رئيسة تمثلت في التأكد من توافر شروط وتعليمات السلامة العامة التي شملت شبكات الإطفاء الآلي، ومآخذ المياه اليدوية، وطفايات الحريق، ومخارج الطوارئ، إضافة إلى التحقق من وجود أجهزة إنذار الحريق، والتأكد من تنفيذ المدارس خطط الإخلاء. ولم يكشف إلى الآن عن نتائج عمل تلك اللجنة الخماسية، وهي نتائج قد تتيح تصوراً واضحاً لأوضاع تلك المدارس ومدى ملاءمتها وتكلفة تهيئتها. وينظر كثير من المختصين إلى المباني المدرسية المستأجرة كمبانٍ سكنية غير ملائمة لمتطلبات البيئة المدرسية، في الوقت الذي يتطلب فيه الإحلال والإبدال سنوات طويلة قبل أن يؤتي ثماره. ولعل الإشكالية الأساسية في تلك المباني أنها لم تصمم لتكون مدارس، وبالتالي فإن تطويعها لهذا الغرض يعني إعادة تأهيلها من الصفر أو تركها على حالها حتى يتوفر البديل الحكومي. وخلصت منتديات عديدة للمعلمين والمعلمات إلى توصيف لواقع تلك المباني أكد معاناتها من مظاهر غير حضارية تضر بالعملية التعليمية والتربوية، وفي مقدمتها الزحام الحاصل في الصفوف التعليمية، وأفنية تلك المباني، وكثافة الطلاب والطالبات التي تشكل ضغطاً كبيراً على حجرات تلك المباني، وعدم ملاءمة الممرات والدرج ومخارج الطوارئ والأفنية لهذه الكثافة، ما يشكل عبئاً على حالة الأمن والسلامة فيها. يضاف إلى ما سبق، عدم جاهزية بنيتها التحتية للتعامل مع حالات الطوارئ بخاصة الحرائق، فضلاً عن غياب أماكن تنفيذ الأنشطة التربوية الصفية وغير الصفية. فضلاً عن رداءة شبكات المياه والصرف فيها، وسوء التهوية، وضعف الإضاءة. كما لا تبدو مواقع تلك المباني المدرسية ملائمة للبيئة المحيطة بها، بخاصة قربها من الطرق العامة التي تنتهي إلى خطوط سريعة، ما يمكن أن يشكل خطراً على سلامة الطلاب والطالبات، فضلاً عما يسببه ذلك من إزعاج يشوش على مستويات الاستيعاب. ولا أحد ينكر أن رغبة الدولة في نشر التعليم في جميع ربوعها أسفرت عن امتداد خريطة المدارس المستأجرة على اتساعات كبيرة يجري حالياً معالجتها نوعياً بعد أن سجلت انتشاراً كمياً كبيراً شكّل عبئاً كبيراً على الوزارة. وربما كانت تلك المباني المستأجرة ملائمة في فترة ما من حيث جدواها الاقتصادية، خاصة في المناطق النائية التي قد لا تشهد كثافة كبيرة في أعداد الطلاب والطالبات، لكن التغيرات الديموجرافية الطارئة على المجتمع أصبحت تفرض حواراً معمقاً حول جاهزيتها للمهام التي تؤديها. واعترف الوزير السابق في حديث أدلى به لإحدى الصحف بأن الوزارة لدى شروعها في تنفيذ استراتيجية طويلة المدى لتجهيز البيئة المدرسية والتخلص من المباني المستأجرة، واجهت عقبات شديدة في هذا التوجه، كان أبرزها عدم وجود شركات كافية لتنفيذ هذه المباني، إلى الحد الذي دفعها إلى الاستعانة بشركة «تشاينا ريل واي» الصينية التي لم تنجح بدورها في توفير تلك المباني بالسرعة الكافية، حيث تعثرت في تنفيذ 200 مبنى تعليمي كان ينتظر أن تستوعب أكثر من 150 ألف طالب وطالبة. ونص العقد الذي وقعته الوزارة مع الشركة الصينية في عام 2009 بقيمة ملياري ريال، على إلزامها بتسليم جميع المباني خلال 14 شهراً من تاريخ توقيع العقد وتسلم أرض المشروع، وقيل آنذاك إن المشاريع المائتين شكلت ما نسبته 6% من إجمالي مشاريع الوزارة الجاري تنفيذها، البالغة 3500 مشروعاً. ومن ثم لجأت إلى تأسيس شركات حكومية لتشييد المدارس، وبالفعل باشرت تلك الشركات مهامها. لإقامة مجمعات تعليمية ضخمة تستوعب أكبر عدد من المدارس القائمة. وكشفت تقارير للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» عن مشاريع مدرسية عديدة متعثرة، بعضها جديد تمت ترسيته على مقاولين أهملوا التنفيذ ضاربين عرض الحائط بالمواصفات المنصوص عليها في العقود، وبعضها لمبانٍ مستأجرة تشكل تهديداً لحياة الطلاب والطالبات. وتيقنت الهيئة عبر مندوبيها من تعثر أو تهالك تلك المباني المدرسية، وخاطبت الوزارة وإدارات التعليم بشأنها وطالبت بالتحقيق فيما توصلت إليه من مخالفات. وكشف مسؤول في الوزارة قبل ثلاثة شهور عن إنهاء تعثر 70% من المباني المدرسية المستأجرة، مشيراً إلى إعادة تطويعها للاستفادة منها إلى أن يحين موعد الاستبدال الكامل. وسحبت الوزارة 76 مشروعاً متعثراً من مقاولين لم يبدوا تجاوباً مع التعليمات الصادرة لهم، فيما تعمل على سحب 113 مشروعاً آخر تمهيداً لإسنادها إلى مقاولين أكثر قدرة على الإنجاز. وقد أمكن حصر عديد من تقارير نزاهة بهذا الخصوص طالت خمسة مجمعات مدرسية و42 مدرسة في مختلف المناطق، شملت: