إن الشمعة لكي تمدنا بشعاعها تضحي بهيكلها فتحترق شيئاً فشيئاً إلى أن تتلاشى ولا يبقى سوى حطامها، وتلك التضحية دفعنا ثمنها معها، فكما اختفت هي عن الوجود اختفى شعاع نورها عنا، فلم نعد نبصر عندما تشتد الظلمة ولم يعد بإمكاننا إعادتها كما كانت فقد انتهى وجودها من حولنا بعد أن اختفى شعاع نورها. الشمعة بعكس الفانوس الذي يحتفظ بهيكله ليمدنا بقبس نوره، وما يحرقه هو الوقود الذي نضعه نحن، فبقدر ما نزوده بالوقود يزودنا بالنور، إنها علاقة تكامل بين المفيد والمستفيد، تماماً كالحب في حياتنا لو كان من طرف واحد سيفقد قدرته على إتمام المسير وسيأتي له يوم ويرحل تاركنا معلقين بحبائله المتهالكة لا يستطيع المحب أن يستمر في عطائه ولم يعتد المحبوب أن يمد يد العون لعاشقه. فبعد أن كان المحبوب يسير في البحر على متن قارب ذاك المحب وينعم برؤية السماء الصافية وسماع أمواج البحر المتلاطمة ولربما مارس شيئاً من هوايته، في الوقت الذي يتكبد فيه المحب عناء القيادة ويبذل قصارى جهده ليوازن ذلك القارب، إذ يفقد قدرته على السيطرة أمام نسمة هواء بعد أن كان يثبت أمام أعتى الرياح، وفجأة يسقط في البحر غريقاً، ليصحو الآخر من غفوته فيجد نفسه في منتصف البحر لا يستطيع انتشال الغريق فقد سقط على حين غفلة منه ولا يستطيع إتمام المسير لأنه لم يعتد تبادل الأدوار، على خلاف ذاك المتعاون الذي يسترخي سويعات ويقود سويعات أخرى، ليعطي رفيقه قسطاً من الراحة فيصلان للشاطئ وقد أخذ كل منهم وطره من الراحة والمتعة، فالأول كما الشمعة تهالكت فلم تنعم بجمالها ولم يستمر نورها بل انقطع في وجه الظلمة الحالكة واحتار من كان يعتمد عليها أي اتجاه يسلك فقد انعدمت الرؤيا، والثاني كما الفانوس وقف شامخاً معطاءً كلما نقصت قطرات وقوده يجد من يُعينه ويمده به، فيخدم من خدمه ويحافظ على من حافظ عليه ويكرم من أكرمه «ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون».