في ليلة استضافتني أسبوعية الصديق الدكتور عبدالمحسن القحطاني، ضمن أمسياتها الثقافية التي تجمع النخبة من الأدباء والمثقفين حول حوار ثقافي حيوي ثري، تحدثت عن الأستاذ الرائد محمد حسن عواد رحمه الله، وهي شخصية أدبية لها وجوه متعددة في الفكر والإبداع. ما كنت في حاجة لأحاضر ببحث علمي، ولم أرد أن أقرأ إبداعه الفكري والأدبي قراءة نقدية، بل أردتها مسامرة أحلق فيها مع الحاضرين في عالم مختلف في حياة العواد، أبحث في سيرته من خلال جوانبه الإنسانية التي تشي بملامح شخصيته، وتضيء آفاق الأجواء التي عاشها، والمواقف التي كنت شاهدا عليها، وقد عملت معه لمدة ست سنوات عشت خلالها قريبا منه ولصيقا به، أسمع همسه وأقرأ نبض مشاعره، عرفت شيئا كثيرا من ملامحه الإنسانية، وعواطفه وأحاسيسه، وبساطة الحياة التي كان يعيشها، وما كان في أدبه وخلقه من سمات إنسانية. تحدثت عن الجانب الذي لا يعرفه إلا القلة ممن كانوا قريبين منه وعلى علاقة وثيقة به. عرفت الأستاذ العواد حين كنت طالبا في الثانوية، قرأت مقالاته الفلسفية، وما أحببت شعره حقيقة، لكنني قرأته واستوعبته فيما بعد، وشبهته بما وصف به شعرالعقاد، بعد أن أهداني ديوانه قمم الألمب، راودت الأستاذ العواد نفس فكرة الأديب الحجازي الرائد محمد سرور الصبان، الذي تولى طبع إنتاج الأدباء والشعراء من ناشئة الحجاز، إذ أسس العواد مؤسسة (فكفن) اختصارا لمفردتي الفكر والفن، لطبع إنتاج الأديبات والأدباء الشباب، ومن أوائل ما أصدره (مخاض الصمت) قصص الأديبة نجاة الخياط. سارعت إليه حاملا خواطري بحماس وتهورالشباب، وغاب عني أو لم أكن أعرف طبيعة الأستاذ العواد بعد، عماذا كان يبحث في إبداع الشباب. كان -رحمه الله- هاجسه التجديد، والاختلاف في الكتابة، وبعد تأسيسه نادي جدة الأدبي، بعد مرور سنوات على لقائي الأول به، ذهبت إليه وأنا أحمل باكورة إنتاجي «ومضات في الفكر» الذي صدر في القاهرة عام 1974م. عندها منحني عضوية النادي وطلب مني، في حضور الأستاذ الشاعر محمود عارف، أن أكون سكرتيرا له، ثم عينت أمينا لسر النادي وبقيت معه إلى أن توفاه الله عام 1401 ه. لم يكن الأستاذ العواد مغرورا ولا متعاليا، كان رحمه الله أليفا شديد التواضع، رغم كثرة خصومه من الأدباء، وقد قيل إنه لم يقرب منه سوى الضعفاء منهم ليتمكن من السيطرة عليهم، وليوافقوه على كل آرائه، لكنني وجدت في صفه وبقربه الأساتذة الكبار، العارف، القرشي، القنديل، عزيز ضياء، وفي رسالة أحتفظ بها رحب الأستاذ محمد علي مغربي بالانضمام للنادي والعمل معه ومع من بالمجلس من الأدباء، الاعتقاد بغير ذلك ليس صحيحا، خاصة أن بعضا من أولئك الكبار كانوا يختلفون معه، وتأكيدا لذلك، أورد ما قاله لي الأستاذ محمد حسين زيدان في حديثه معي، وخلال حديثنا مر بنا الأستاذ عزيز ضياء وبفمه غليونه الذي يزيده شموخا، وألقى تحية عابرة كأنها ألقت في نفس استاذنا الزيدان، غصة من لوم وعتاب، فقال لي، بما يُبدد كثيرا من الشكوك، كأني بهذا العزيز يعز عليه أن يتواضع فيلقانا لقاء الأحبة- كتب الأستاذ الزيدان موقفه هذا في أحد مقالاته في جريدة المدينة -،ثم عقب لي هامسا (كان العواد يحب ذاته ولا يتكابر، كان شديد التأدب والتواضع والحياء. الذين يسيئون الظن يأخذون الماضي في حياتنا، فيستمرون في سرمدية الظن، فالواقع أن الذي بيني وبين الأستاذ العواد هو الصفاء والوفاء، وكان سفير الصفاء بيننا الصديق الدكتور المناع، وقد ذهب ما بيننا من خصومة بعد أن زالت أثار خصومته مع الأستاذ حمزة شحاتة) وثق الأستاذ الزيدان قوله هذا في رثائه للأستاذ العواد. ولحديثي عما لم يقل عن العواد بقية.