كتبت عنه كثيراً.. وأجد نفسي لم أُوَفِّهِ حقه.. وفي الذاكرة شيء كثير عنه، ووجوه إبداعه وإنسانيته.. فيها ما يغري.. وفي سيرته ما يسيل له حبر القلم… وفي ذكرى رحيله تتداعى الذكريات.. هو سيد الحلم وسيد القلم، عبدالله الجفري. ولعلي أستبق ذكرى رحيله، وربما.. طاف بخاطري أن أذكره، بل ذكَّرني به صديقي الشاعر المكي المبدع فاروق بنجر، بكتاب أصدره نادي مكة الأدبي، عن الأديب الراحل عبدالله الجفري، وكنت أحد المشاركين فيه، باعتباري مقرباً من أستاذنا الجفري، ومن المعجبين بسحر إبداع قلمه. فهو رائد الرومانسية في الأدب السعودي، وله بصمة متميزة فيه، كتب إبداعه بمداد العطر. تفسد الوجدانيات كتابات كثيرة، حين تكون متكلفة، تبالغ فيها الأقلام، لكن حين تكون الأحاسيس صادقة، تعبر عن مشاعر إنسانية، صادرة من الأعماق بلا تزييف ولا تصنّع،عندها تصبح الكتابة إبداعاً له شفافيته وصدقه. هذا هو قلم الجفري الذي عرفته وقرأت له وتعلمت منه. وتتلمذت على سحر إبداعه في أمسية استضاف فيها نادي جدة الأدبي صديقه الدكتور سمير سرحان رحمهما الله عام 1405 ه، قلت له ذلك، فأنكره وهو الذي ظل شاباً حتى بعد أن تجاوز السبعين، إلا أن الدكتور السرحان كنت أحد تلاميذه في جامعة الملك عبدالعزيز في السبعينيات الميلادية أقنعته، والحقيقة أنه أكبر مني سناً وإبداعاً. قرأت أول ما قرأت للجفري مجموعته القصصية (حياة جائعة) التي صدرت عام 1382 ه، وكنت في المرحلة الإعدادية. ولقيته أول مرة في مكتب أستاذنا الذي يحبه ونحبه جميعاً محمد حسين زيدان – رحمه الله – بجريدة «البلاد» في عمارة باخشب، والأستاذ الجفري كان يتولى الإشراف على تحرير الصفحة الثقافية، سلمته مقالاً عن (محنة الأدباء لا محنة الأدب) وسعدت بإعجابه به إلا أن فرحتي لم تكن لنشره المقال في الأسبوع نفسه، وإنما لأني التقيته وتعرفت عليه، ومنذ ذلك التاريخ حرصت على زيارات الأستاذ الجفري ولقاءاته، خصوصاً بعد انتقاله إلى جريدة «عكاظ» فنقلت نشاطي الصحفي لها، وكان رئيس تحرير «عكاظ» أستاذنا الكبير عبدالله خياط الذي أكن له كل محبة واحترام. أنا وإن كنت قد تتلمذت على يد أستاذنا العواد حين عملت سكرتيراً له في النادي الأدبي وأحببته حباً عظيماً، إلا أنني، واعترفت بذلك في مقال نشرته في مجلة «اقرأ» في عهدها (مناع) الجميل في ذكرى رحيل العواد، ذكرت فيه أن حبي للجفري لم يكن أقل من حبي ووفائي لأستاذي العواد، إن لم يكن أكثر قليلاً كما وثّقت ذلك الموقف في مقالي، وأوردته بالتفصيل في كتابي (العواد رائد التجديد)، يمكن الرجوع إليه لمعرفة القصة. لهذا المبدع الكبير قلب أتعبه بحبه وتسامحه وصفاء سريرته، وبعشقه الدائم. حين يعاتبني وأشعر بأنه متأثر بموقف ما، فكتب منفعلاً بعاطفة المحب الذي خاب أمله في محبوبه، ألتقيه متحمساً لشرح ما التبس فهمه، فأجده يحتويني بقلب يتسع لخصومات الدنيا وأخطاء وهفوات البشر، وبصدر رحب وتسامح أستصغر به نفسي. هذا هو الجفري بإنسانيته وعواطفه الصادقة.