لم يرث بعد خاله الذي تبناه إلا صنعة لبوس، وعصاً سوداء لم يلق لها أحد بالاً. كانت مستندة إلى ركنٍ مظلم من منزله القديم، عزف الفتى عن خياطة الملابس، وامتشق العصا التي تبدل لونها إلى السواد كلونِ الحناء «عصا خاله الطيب عزيزة عليه» كما يزعم، أخذ الفتى العصا وسعى في دروب القرية يهشُّ بها كل ما يقف في طريقه، علت ضحكات أناس من قريته على صنيعه «ترك صنعة خاله التي تدر عليه مالاً. وأخذ عصاه التي لا تساوي هللة!»يهشُّ بها وهم يضحكون، دُهِشَ لضحكهم عليه ولم يأبه بهم، وسار في طريقه حتى أخذته خطواته إلى مزرعة مجدبة لأحدهم يتعالى غبارها، وقف وسط الأرض وهم ينظرون له بسخرية. ثم خط في التراب خطين متقاطعين. حلف لهم بالله «أن تحت تلك العلامة بأمتار عشرة أو يزيد ماء عذب غزير يروي عطشهم.. «منهم من قهقه عليه. ومنهم من استشاط غضباً منه، ولم يصدقه أحد. ترك القرية مغاضباً متحسراً من عدم تصديقه. ومضى يبحث عن أحلامه، بعد شهور حفر صاحب الأرض لتأسيس منزله الإسمنتي. لتفاجأ بتفجر الأرض ينبوعاً من ماءٍ عذب.. تعالت حسرات القوم وبحثوا عن ذلك الفتى. ليكتشف لهم أباراً أخرى في مزارعهم فلم يجدوه. ووجدوا عصاه مسنودة إلى جدار في بيته الخرب. فتنازعوا بينهم أيهم يظفر بها. ثم استهموا عليها. وخطّوا بها. وحفروا ولكن دون جدوى..