حين تطل من الربوة المحاذية لقرية ذي عين وتُدقق النظر في بيوتات القرية تتماهى في الخيال التاريخي والأسطوري للقرية ولايُنبهك إلا حفيف أوراق أشجار الموز التي تُشكل غابة خضراء تزين الباحة المنخفضة أمام القرية, والحكاية الأسطورية هي نسيج من الخيال إلا أن الأهالي يذكرونها- كوثيقة - تؤكد الارتباط السكاني بالمكاني ، وتقول الحكاية – طبعاً الخيالية – بأن حاجاً يمانياً كان يمتلك عصا مجوفة يخزن في جوفها قطع الذهب ليخبئه عن الأنظار, وأثناء ترحاله قاصداً الحجاز أراد أن يستحم في احدى الآبار الواقعة على سنام جبال السروات, وحرصاً منه على العصا بعدم نسيانها, أو أحد يسطو عليه أخذها في يده أثناء السباحة لتنفلت في غياهب البئر ، وحاول الغوص من أجل اللحاق بها, وبحجمها الثقيل من جراء الذهب الأحمر غاصت في تجويفات البئر ، خرج بعدها نادماً على فعلته ، زاجراً نفسه, في إهماله للعصا وعدم القبض عليها حتى لو بأسنانه.. إلا أنه حدث ماحدث وبدأ يوظف موهبته والتي تتمثل في التبصير –أي رؤية القنوات المائية وهي تجري في باطن الأرض- ليرى عصاه تتحرك في مسارات عجيبة نحو الشمال ، واستمر يتتبع مسارها ليل نهار, راحلاً من أرض إلى أرض, ومن جبل إلى آخر, قاطعاً المسافات, متكبداً المشاق، حتى توقفت العصا في جوف الأرض على مقربة من قرية صغيرة عند أقدام جبال السروات, هنا أعيته الصخور الصلبة دون التمكن من الحصول عليها وبدأ يفكر في الاستعانة بسواعد أهل القرية ليحفروا الأرض وينقبوا الصخر, وصولاً إلى عصاه الثمينة, وقف في باحة المسجد الصغير ، وقال لأهل القرية :تمتلكون كنزاً ثميناً ولا تستفيدون منه . اندهش الأهالي ، وقالوا: ماهو الكنز وأين يوجد ، رد عليهم: بأن الجبل يحمل في أحشائه ماءً لايتوقف جريانه في حالة الوصول إليه ، أتفق معهم على تحديد مكانه, ووضع لهم شرطاً بأن الشيء الذي يخرج مع الماء يكون ملكاً له دون غيره ، وكتبواالميثاق, ليبدأ الحفر وتنهش رؤوس المعاول جبين الصخر أياماً, وعندما اقتربوا من ماء النبع ، طلب منهم التوقف ليقوم هو بنقب الصخر وبالفعل .. ما أن تدفق الماء حتى خرجت عصاه كالسهم .. لتنطلق في وجهه وتفقأ إحدى عينيه مسببه له الألم نازفا منها الدم, ورغم ذلك قبض على عصاه ، مغادراً المكان وسط ذهول الموجودين ، خشي الأهالي من شيئين نضوب الماء بعد رحيله, أو استمرار تدفقه إلى مسافات بعيدة وقرروا في الحال القبض على الغريب, وقتلوه فوراً وحين مسك أحدهم بالعصا وجدها ثقيلة ليضرب بها صخرة صغيرة ليتناثر مافي جوفها من ذهب أحمر ليهب الجميع كالنسور كل يأخذ ما أستطاع عليه.كبار السن في قرية ذي عين يتداولون هذه الحكاية – طبعاً الخيالية – إلا أن العين مازالت جارية وهي بالفعل تنبجس من أحشاء الجبل لتسقي مزارع الكادي والموز..نواصل الحديث عن القرية في مقالات قادمة إن شاء الله . بياض القلب: اتفق معك أخي بدر نايف على أن العلاقات بين أفراد المجتمع لا تخضع لقوانين مادية أو نظريات اجتماعية بل تعتمد على إنسانية الشخص ومزاياه, كالتواضع, وحسن الخلق, الصدق, التعاطف الحقيقي, الاحترام والتقدير, وفوق هذا وذك بياض القلب, ونقاء السريرة,تحياتي لك متمنيا لك حياة سعيدة وأصدقاء مخلصين.