أكد أكاديميون وحقوقيون أن العنف ضد المرأة موروث منذ زمن الجاهلية، ورغم سلبيته إلا أن هناك من اعتبره إرثه الثقافي الذي لا يستطيع الانفلات منه أو تغييره. فيما أظهرت دراسة حديثة أصدرتها منظمة الصحة العالمية بشأن العنف ضد المرأة، أن العنف الذي يرتكبه الأزواج هو الأكثر شيوعاً من بين أنواع العنف الأخرى، ويؤثر على 30% من النساء في جميع أنحاء العالم. وقالت مقررة الأممالمتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة رشيدة مانجو، في تقرير لها قدمته لمجلس الأمن مؤخراً، إنه بالرغم من التقدم لا يزال العنف ضد المرأة «متوطناً» في المجتمعات، وأشارت مانجو إلى أنه «يتعين على الدول محاسبة من يفشلون في حماية ومنع انتهاكات حقوق النساء، فضلاً عمن يرتكبونها». وأفاد التقرير أنه يمكن للدول الوفاء بالالتزام بالعناية الواجبة من خلال توفير الخدمات مثل خطوط الهاتف الساخنة، والرعاية الصحية، ومراكز الاستشارة والمساعدة القانونية، والملاجئ. وذكرت عضو الجمعية السعودية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين أن كل شخص لديه موروثات ثقافية واجتماعية يتعامل بها مع أهل بيته خصوصاً، ويتوارثها منه الأبناء، إلى جانب عدم الاختلاط بالبيئة المحيطة، وبالتالي يستمر الجميع على عاداتهم وتقاليدهم، وإن كانت ليس لها أساس من الصحة. وأكدت أن قضايا العنف ضد المرأة منتشرة في جميع المجتمعات وليس المجتمع السعودي فقط، تقول «لدينا في الجمعية قضايا لنساء من جنسيات مختلفة تشتكي من عنف رجالهن، وهناك إحصائيات تثبت أن ثلث نساء العالم يتعرضن للعنف، وتختلف النسبة من مكان لآخر، ومن المفترض أن تقوم الجامعات بوضع دراسات وبحوث حول هذا الموضوع، حتى تعرف الأسباب وتتلافى المشكلة». ويرى عضو مجلس الشورى المختص في القانون والدراسات المقارنة المحامي الدكتور إبراهيم العيسى، أنه يجب أن نتأكد ما إذا كان العنف ضد المرأة متفشياً أم إنه مجرد حالات فردية؟، ثم يتم البدء في عمل دراسات تعالج المشكلة من جذورها، من خلال معرفة أسباب العنف وتحليلها، مشيرا إلى أن الإسلام قد حفظ للمرأة حقوقها كاملة. وأكدت مسؤولة الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية – القسم النسائي، في منطقة الرياض الدكتورة موضي الزهراني، أن ديننا الإسلامي دين رحمة وتكافل ويقوم على التراحم، وهذا أعظم تشريع تنطلق منه أساليب حياتنا وتعاملاتنا اليومية، إضافة إلى أن نظام الأحكام في المملكة ينطلق من الشريعة الإسلامية، ويعطي كل ذي حق حقه، ثم تأتي الاتفاقيات الدولية والأيام العالمية الحقوقية كداعمة ومكملة لمطالباتنا بتطبيق منهجنا الحقوقي في الحفاظ على حقوق المعنفين، على رأسهم النساء والأطفال». وأضافت «لن تتحقق الأهداف المنشودة من اليوم العالمي ضد تعنيف المرأة إلا بوضع أساسيات ثابتة تحقق ذلك، فكيف سيصل صوت المرأة للعدل دون أرضية ثابتة تطالب من خلالها بحقوقها الشرعية المهضومة؟! وقد دفعني هذا الأمر لإصدار كتاب العنف الأسري وحقوق المرأة السعودية تناولت من خلاله عديداً من القضايا الأسرية ومطالبات المرأة الحقوقية والصعوبات التي تواجهها والحلول المقترحة لها، مضيفة «لن تنجح المناسبات العالمية إذا لم ينسق لها من قبل الجهات المعنية، لتحوز على تفاعل ملموس ما بين المجتمع المدني والجهات الحكومية». وتقول المديرة العامة المساعدة لشؤون الأسرة والمرأة وصحة الطفل في منظمة الصحة العالمية، الدكتورة فلافيا بوسترو «تحتاج الحكومات إلى مضاعفة الجهود لمنع جميع أشكال العنف ضد المرأة من خلال معالجة العوامل الاجتماعية والثقافية المسببة لها. وأضافت أن الشابات الصغيرات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19، والنساء ما فوق 65 من العمر يتعرضن بالتساوي إلى العنف. وقالت «نشاهد هذه الظاهرة عبر العالم بأسره، وبين فئات مجتمعية ذات مستوى دخل مختلف، وتوفير المعلومات والوعي حول مدى انتشار هذه المشكلة هو المفتاح للوقاية منها». وتحدث مدير مركز التنمية الأسرية في الأحساء الدكتور خالد الحليبي قائلا «العنف كلمة مبغوضة إنسانياً، وقد وردت في الحديث الشريف: «إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، ومما أستشفه من هذا الحديث أنه ما من هدف يستهدفه الإنسان فيسلك فيه مسلك الرفق، إلا ونال منه كل خير، وما يتحقق بالعنف ينتج عنه آثار سلبية كثيرة ولو بعد حين. وأوضح الشيخ الدكتور محمد الدويش، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، والأصل في الحياة الرفق، ونتائج الرفق دائماً أفضل من نتائج العنف، فهو مبغوض في الإسلام، وكل أمر نستطيع أن نحله بالرفق، وفرص النجاح في الرفق أعلى منها في العنف، فينبغي على الرجل أن يبتعد عن استخدام العنف والإساءة إلى المرأة. فيما أكد الداعية غازي الشمري أن المرأة أكثر تعرضاً للعنف من الرجل، ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ إِنِّى أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعيفينِ الْيَتِيمِ والمرْأَةِ «، ولو لم تكن المرأة مهمة في الإسلام لما جعلها الله عز وجل هدية في الجنة، لأن الأنثى تكون حورية في الجنة، وهذه هدية الله، والله لا يهدي إلا الغالي والنفيس. مشيراً إلى أن أسباب العنف ضد المرأة كثيرة منها ضعف الوازع الديني وتناول المسكرات والمنبهات، والتربية السيئة، وغياب الحوار والتفاهم والانسجام في البيت وغيرها من الأسباب، وأفضل حل لعلاج العنف هو التفاهم والحوار وغض البصر عن السلبيات والإخفاقات، وقال «لا شك أن العنف ضد المرأة ينتج عنه آثار سلبية على المجتمع والفرد والأبناء ويفقد الشخصية ويسبب أمراضاً نفسية للأطفال، وعلى من ابتلي بحب التعنيف قراءة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، ومجالسة العقلاء واختيار الصحبة الصالحة، وإن كان يعاني من أمراض نفسية عليه بزيارة الأطباء النفسيين، وغض الطرف عن السلبيات وتعلم لغة الحوار».