ندرك تماماً أن الإعلام المقروء له حدود صارمة جداً فيما يخص الحرية المتاحة للكلمة، وبالتالي فإن حرية الكلمة قد تتعارض كثيراً مع تلك الحدود، الأمر الذي يجعل من حرية الرأي في الصحافة العربية معضلة أساسية للكاتب الذي يريد أن يتمرد على سلطة الصحافة ويكشف المسكوت عنه. حينما تقف صحافتنا العربية موقف الرفض للكلمة التي تمثل حقيقة واقعية لطغيان الفساد الإداري والثقافي والبيئي فإن هذا الأمر يسبب إرباكاً للصحيفة ذاتها وقلقاً للكاتب الذي يريد أن يوصل ذلك الظلم وتلك البشاعة في سبيل تصحيح الوضع. ومن هنا يأتي دور الكتابة في إيصال مفردات الخطاب الشعبي إلى هذا الإعلام على اعتبار أنه المحرك لأدوات التصحيح، بدلاً من قمع الكلمة وتقييد حريتها. الكتابة فعل حرية يقف أمام مشاهد الفساد وأمام هذا الواقع البائس والعنيف -إن صح التعبير- فالواقع يجبر الكاتب على تبني هموم الفرد والمجتمع عن طريق الكتابة الأنموذجية وبإصرار تام على نقل المشهد بكامل تفاصيله عن طريق الكلمة، ومن هنا فإن تلك الحدود الفاصلة التي وضعتها الصحافة العربية تقيد هذه الكتابة الحقيقية باعتبارها تكشف المستور وتفضح المسؤولين، مما يؤدي ذلك إلى طمس معالم الحقيقة حينما تتبنى الصحيفة غير ذلك. وأعتقد أن هناك كتابا قد تنازلوا عن حالة التمرد وكشف الحقائق إلى حالة الانصياع لحدود حريات الصحافة في وطننا العربي في سبيل أن يعيشوا الحياة عيشاً رغيداً لا يؤدي إلى مزيد من الذل والاحتقار لأن ثمن الحرية كما يقول الناشط الحقوقي الأمريكي مالكوم إكس، قد يكون الموت.