أكَّد وزير العدل، الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن القضاء السعودي استطاع التصدي لجرائم الإرهاب بإجراءات قضائية كفَلت للجميع الحصول على محاكمة عادلة لدى القضاء الطبيعي، حيث لا يوجد لدى المملكة قضاء استثنائي، كما كفَلت المبادئ القضائية المستقرَّة الحصول على أحكام شرعية عادلة تسري على الجميع، ولا تختلف أحكامها مع اتحاد وقائعها، كما لا تزدوج معاييرها مع أطراف الدعوى تحت أي ظرف أو طارئ، فالادعاء والدفاع على منصَّة القضاء على حد سواء. جاء ذلك خلال استقباله لنائب الأمين العام للأمم المتحدة، والرئيس التنفيذي لمكتب الأممالمتحدة للمُخدِّرات والجريمة يوري فيدوتوف والوفد المرافق له في مكتبه اليوم. وبيَّن وزير العدل أن قضاء المملكة يُفرِّق بين العمل المدني الضار، والعمل الإجرامي، فهو يرى أن الأول يولد خوفاً له بعد خاص، وتنشأ عنه مسؤولية مدنية بحتة، فيما يرى أن الثاني يولد خوفاً له بعد عام، ويُرَتّب مسؤولية جنائية، وهو يعاقب على الجريمة الإرهابية بعقوبة جسيمة، آخذاً في الحسبان ظرفها المُشدَّد، وانطواءها على جرائم عدة حسب التوصيف الشرعي الذي استقرَّ عليه النظر القضائي، وذلك نظراً لأبعادها الخطيرة التي تَصِمُها بالجريمة الفوقية في التدرج الإجرامي. وتحدَّث وزير العدل عن جريمة تمويل الإرهاب وقال: "إنها جريمة ذاتية"، بمعنى أنها تقع ولو لم يُرتكَب من جرَّائها عمل إرهابي، وأن ركنها المادي يتحقَّق بتقديم المال أو جمعه وإدارته، وبيَّن أن هيئة كبار العلماء بالمملكة جرَّمت تمويل الإرهاب، وأصَّلت ذلك بأسانيد شرعية، ما يدلُّ على محاربة الشريعة الإسلامية هذه الآفة والسبل المُوصِلة أو الداعمة لها. وعن طبيعة الأحكام القضائية في جرائم الإرهاب وإمكانية نشرها، قال الدكتور محمد العيسى: "إن الأحكام الصادرة في هذا تعتمد التسبيب القوي من المحكمة الابتدائية، وأنه لا يمكن أن تحكم محكمة الاستئناف أو تُجيز المحكمة العليا حُكماً يخلو من أسانيده الشرعية والنظامية، ويدخل في ذلك الأحكام التي لا تتَّفق مع المبادئ القضائية المستقرَّة، وأضاف بأننا مُلزَمون بنَشْر الأحكام القضائية عموماً، ومن بينها الأحكام الصادرة في الجرائم الإرهابية، وفي حال الانتهاء من جمعها وتصنيفها ستكون بيد الجميع إن - شاء الله –". وبيَّن أن "انحسار الجريمة الإرهابية في المملكة يدلُّ على حالة الرفض والعُزلة التي تعيشها هذه الآفة، ومحاصرتها فكرياً". وأضاف: أنها "في حالة تراجُع واندحار، بفعل الجهود المُتضافِرة، خاصة الضربات الأمنية الاستباقية لها، ورَفْض المجتمع لها بوصفِها عنصراً غريباً على مفاهيمنا الإسلامية، علاوة على نجاح فكرة المُناصحة التي أخذت بها وزارة الداخلية في سياق اضطلاعها بواجب المحافظة على الأمن الفكري، فالجهاز الأمني يقوم بعدة أدوار ويتجاوز المفاهيم الضيقة في أدائه". وأوضح خلال اللقاء أن القضايا الجنائية في المملكة تَجْري في نطاق ضيِّق، مقارنة بغيرها من الدول، وأن الإحصائيات المنشورة تُوضِّح بجلاء هذا الفارق، مُعيداً السبب في ذلك إلى تحكيم الشريعة الإسلامية وِفْق مفاهيمها الوسطية المعتدلة على ضوء مقاصدها وغاياتها من تشريع أحكامها العادلة التي استوعبت الزمان والمكان ومُتغيِّرات الأحوال، إضافة إلى وعي المواطن السعودي ونشأته في محاضن تربوية صالحة، يَسْتمد معانيها الرفيعة من وعيه الراسخ بتعاليم دينه الإسلامي الذي حرَّم الجريمة والوسائل المُفضية إليها، كما يَسْتمدُّها من لُحْمته الوطنية التي يستشعرها ديناً يدين الله به قبل كل شيءٍ، في سياق الوازع الأخلاقي الذي ينطوي عليه وجدانه الإيماني والوطني . وقال وزير العدل: "إن لهذا أثراً ملمُوساً في التقليل من نسبة الجريمة، وهو ما ترجمه الأمن والاستقرار الذي تعيشه المملكة منذ تأسَّس كيانها على يد جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله". وأضاف : "أن الركائز التي قامت عليها الدولة من أقوى الضمانات وأرسخها التي تَكفُل وجود مجتمع مدني مُتحضِّر ينعَم بالأمن والاستقرار، واستشهد على هذا بتاريخ المملكة الاجتماعي والأمني والسياسي الذي استطاع بهويَّته الشرعية، وثوابته العدلية والحقوقية المُستمدَّة من دينه، وبلُحْمته الوطنية المُتماسكة تجاوز العديد من المشاهد المُعتادة في التاريخ الإنساني، ومن ذلك قدرة المملكة على ملاحقة جرائم الإرهاب، وكذا المخدرات التي لا تقلُّ خطورة عن الإرهاب بما للجميع من آثار سلبية على المجتمع في أمنه واستقراره وسلامة أفراده". وزاد وزير العدل يقول: "إن التشريع الجنائي الإسلامي كما حارب الجريمة، فقد حرَّم الوسائل المُفْضِية إليها، وشرع إجراءات وقائية تمنع من حصولها، وأن هذا ما يُميِّز التشريع الإلهي، حيث يجمع بين الوقاية والعلاج". وأفاد أن "المادة الجنائية في القضاء السعودي تحكمها مبادئ قضائية مستقرة، إضافة إلى موادَّ نظامية، عالجت العديد من قضاياها، وهو ما يدلُّ على مرونة القضاء السعودي في اختيار المنهج الإجرائي في ضبط الأحكام وعدم تعارضها في الواقعة الواحدة، وأنه ليس بالضرورة أن يختار منهجاً واحداً، إما التقنين أو السوابق القضائية، متى انتفى احتمال التعارض بينهما، لا سيما أن المبدأ القضائي لا يمكن أن يُخالِف نصّاً شرعيّاً أو نظاميّاً" . وحول الدفوع القضائية بمخالفة النظام الدولي أو النظام المحلي، قال وزير العدل: "إنه يحقُّ للمُتَّهم الدفع بمخالفة النظام العام في أي مرحلة من مراحل الدعوى، وأن هذا من الضمانات المهمة له، وفيما يتعلَّق بحِجِّيّة الاتفاقيات الدولية أمام القضاء السعودي". وأضاف: "إن حِجِّيَّتها في نفس درجة حِجِّيَّة أنظمة المملكة، بل إنها تقدَّم عليها عند التعارض ما لم تُخالِف دستور الدولة، على أنه لا يُتصوَّر أن تُصادِق المملكة على اتفاقية تُخالِف دستورها، وهذا لم يَرِد فيما بين أيدينا من اتفاقيات مصادق عليها" . وحول جرائم الاتجار بالبشر قال الوزير العيسى: "إن المملكة تحارب هذه الجرائم، وتُصدِر بشأنها أحكاماً قضائية قوية وعادلة، ولدى الوزارة اهتمام علمي بهذا الشأن مُشيراً إلى نِيَّتها عقد مُلتَقَى في هذا الخصوص" . وأكَّد معاليه أن المملكة مع كل خطوة إيجابية من شأنها تحقيق العدالة وإسعاد البشرية. من جانبه عبَّر نائب الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة للجريمة والمخدرات يوري فيدوتوف عن شُكْره وتقديره لجهود المملكة في محاربة الجريمة، مُشيراً إلى أن لها دوراً إقليمياً ودوليّاً مُهمّاً يتطلَّع لأَنْ يُسهِم في مساعدتهم على أداء مُهمَّتهم وثمن دور خادم الحرمين الشريفَين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في محاربة الجريمة وفاعليته في الاتفاقيات الدوليّة.