(السياسة هي حرب بدون سفك دماء ، بينما الحرب سياسة مع سفك للدماء) الزعيم الشيوعي الصيني ماوتسي تونغ. السياسات التي تتبعها الدول تتراوح بين الفعل وردات الفعل ، بعض الدول تخطط لتصنع الحدث والبعض الآخر يكتفي بالمشاهدة ، البعض له هدف واحد جند من أجله كل شيْ ، في المقابل هناك من هو مشتت لا يدري ماذا يريد بالتحديد! لقد ارتبطت السياسة دائماَ بالدهاء والحنكة، حيث لا مكان فيها لحسن النوايا ولا المثل العليا، الأسوأ في السياسة أن تكون ردات فعلك معروفة مسبقا، وأن يعرف عن غيرك أكثر مما تعرفه انت عن نفسك!! دول الخليج سياساتها معروفة مسبقاً فهي تقوم على حسن النوايا ، تؤمن بمبدأ الحياد وعدم الانحياز، ولا تتدخل في شئون الغير، وتقف على مسافة واحدة من الجميع،..الخ. شعارات براقة وجميلة ولكنها في الزمان أو المكان الخاطئ، فالكل ما عدانا يتوقع الأسوأ ويعمل من أجل ذلك ونحن لا ندري ماذا أصابنا، فاما أن يكون ذلك اعتقاداً بالعصمة أو شعوراً بقلة الحيلة!! وهي ما يجعل تعاملنا مع الأزمات الملمة عبارة عن ردات فعل تشبه السير قرب الحائط خوفاً من المواجهة، من المعروف ان السياسة التي تقوم على ردات الفعل دائما تكون صعبه، فالخيارات في الغالب محدودة والوقت دائما لا يكفي، وهي لا تمكنك من اختيار ادوات الصراع ناهيك عن توقيت ومكان المواجهة، هذه السياسة لا تتماشى وقواعد اللعبة في المنطقة التي تستوجب التدخل بحزم وأخذ زمام المبادرة وتحليل المعطيات بكفاءة وخلق تحالفات المرحلة. حرب مناطق النفوذ (Sphere of Influence ) بين ايران ودول الخليج هي حرب من طرف واحد، فالتحركات الخليجيه في الغالب غائبة وان اتت فهي دائماً تأتي متأخرة جداً تعمل فقط على الحد من الخسائر لا منعها.. العراق ذلك الجرح الغائر في جسدنا العربي، ذلك السد الذي كان منيعاً يوما ما، والذي حال بين ايران وتحقيق أهدافها عقود طويله، العراق بالنسبة لايران هو نقطة الاتصال الجغرافية الوحيدة بالعالم العربي، وهو البوابه التي تشكل المنطلق لغزو الشام والجزيرة العربية، وهي حلقة الوصل بين الدولة الصفوية في الشرق ومستعمراتها العربية في الغرب (سوريا ولبنان)، عملت ايران بكل اجهزتها الامنية والاستخباريه على محو الهوية العربية في العراق واستبدالها بعراق اعجمي أو ايران عربية! لقد شكلت أحداث 11 سبتمبر صدمة لدول مجلس التعاون الخليجي ، الكل تملكه الخوف من ان يصبح ضحية للانتقام الأمريكي وهو ما جعل الجميع يقدم العراق قرباناً للجحافل الامريكية الغاضبة ، زد على ذلك أن البعض راى في استهداف العراق فرصة لتصفية الحسابات والقضاء على عدو محتمل ! ولكن حتى بعد سقوط بغداد فان دول الخليج لم تحسن التعامل مع ذلك الواقع الجديد التي أفرزه الغزو الأمريكي للعراق، فسياساتها كانت مرتبكة، مختلفه وفي احسن احوالها معدومه! ان المصالح الخليجيه والامريكيه تتفق وتتعارض بطبيعة الحال، ولكن المشكلة تكمن في أننا لا نجيد خدمة مصالحنا اذا تعارضت مع مصالح أمريكا، وهو تماما ما حدث في أفغانستان بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فاذا وجدت مصالحنا ومصالح الولاياتالمتحدةالأمريكيه في نفس المكان متضاده فاننا دائما نتخلى عنها لصالح الآخر.. في افغانستان كانت مصلحتنا البقاء على اتصال تام مع الجماعات الجهاديه المسلحه وتوجيهها لخدمة مصالحنا، ولكن ولأن الغرب قضى حاجته منها بالقضاء على الاتحاد السوفيتي ، قررنا الانسحاب وترك المجال للاعبين جدد بايدولوجيا ورؤى تتصادم معنا، وها نحن في العراق نعيد الكره ونرتكب نفس الخطأ ، فلأن أمريكا لا ترغب بتدخلنا بقينا نشاهد الآخرين يصولون ويجولون ، يتقاسمون النفوذ ويوزعون الأدوار فيما بينهم، قد يكون ذلك طمعا في نيل ما يشفع لنا من حسن سيرة وسلوك أمام واشنطن! التعامل بالمطلق والكليه في رفض التعامل مع الكيانات والجماعات المسلحة سياسة تتبعها دول الخليج ، فرفضنا المطلق للتعامل مع القاعده حرمنا فرصة التواجد في مناطق عدة استخبارياً وعملياتياً، من المعروف أن القاعدة تنظيم عقائدي سني، قد يتفق جميع المنتمون اليه في طلب الغايه (الجهاد في سبيل الله) ولكنهم وكما رشح من أدبياتهم يختلفون في الوسيلة لتحقيق ذلك، فمنهم من يسير في مسار تصادمي (مسلح) مع الحكومات العربية ومنهم من يكتفي بالاختلاف الفكري المسالم، وهو التيار الذي كان بالامكان التعامل معه واحتواءه ومحاولة تعديل مساره ليتقاطع مع مصالحنا، ولكن على العكس من ذلك، قمنا باستخدمنا القوة المفرطة في التعامل مع كل تيارات القاعدة (متطرفة أو معتدلة)، ولم يبق أحد خارج دائرة الاستهداف، وهو ما جعل أصحاب الفكر المعتدل في مهب الريح ، فضعفوا واضمحلوا أمام تزايد سطوة ونفوذ التيار المتطرف. استعداء القاعدة بالمطلق بدل محاولة البحث عن تيارات معتدلة داخل التنظيم نتشارك معها بعض الأفكار والرؤى والتي كان بالامكان اتخاذها منطلق لتعاون أعم واشمل في المستقبل، دفع التنظيم للتطرف في تعامله مع الحكومات الخليجية وجعله يرتمي بأحضان أعدائنا في المنطقة (بشكل مياشر أو غير مباشر) على الرغم من اختلاف المعتقد. نعلم ان تنامي قوة التيار في دول الخليج أوجد هاجس لدى البعض من قيام ثورات أو انقلابات على أنظمة الحكم العائلية ولكن ذلك لا يعطي المبرر لأن نخسر أحد أهم أدوات الصراع (الغير مباشر) المهمة لحكومات المنطقة على المستوى الاقليمي والدولي. الكل له مصالح يسعى لحمايتها بكل الطرق والوسائل ، كلنا يتذكر الانتخابات العراقيه الاخيرة وخسارة المالكي أمام العراقيه وكيف استطاعت ايران فرض اسمه على الجيميع دون الاكتراث لصناديق الاقتراع والعملية الانتخابية، بينما ما زلنا نخجل من ذكر ان لنا مصالح في العراق وأننا نقف مع ذاك الجانب دون ذاك. دخول قوات درع الجزيرة للبحرين ودعم دول المجلس للثورة السورية هي ردات فعل متأخرة وان بدت للبعض مبادرات ،ولكنها وعلى الرغم من ذلك قد تشكل نقطة التحول التي انتظرناها طويلاً جداً، فقد ادركت دول الخليج أهمية العمل والتحرك لاختيار ما تريده بدلاً من الاكتفاء بما يريده لها الآخرون، وان ظروف المرحلة لا تسمح بفرص ثانية فليس هناك مجال لارتكاب الأخطاء بعد الآن، فقد بدأ عصر التغيير، قد يكون ذلك التغيير لبناء الشرق الاوسط الجديد الذي بشر به بوش وقد يكون ذلك التغيير هو لبناء الشرق الاوسط الجديد الذي يخافه العرب ! الكاتب : سعيد بن عبدالله القحطاني الخبر [email protected]