يشكل العلامة خير الدين الزركلي (1309 1396ه) رحمه الله، أنموذجاً علمياً للباحث الجاد الذي قضى عمره لإخراج أهم كتاب في التراجم في العصر الحديث ألا وهو قاموس الأعلام الذي يحق للأواخر أن يفاخروا به الأوائل كما قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، ولذا ظل وسيظل اسمه خالداً في تاريخ الثقافة العربية. وعلى الرغم من أن "الأعلام" لم يكن كتابه الوحيد إلا أنه الكتاب الأثقل وزناً وأهمية لكل الباحثين ولذا تمحورت حوله الدراسات والكتابات والتصحيحات والاستدراكات والذيول والمراجعات حتى بلغت عدد الكتب المتعلقة بالأعلام ثلاثة عشر كتاباً كما أوردها الأستاذ أحمد العلاونة في كتابه الأخير عن الزركلي الذي صدر قبل أسابيع عن مكتبة ومركز فهد الدبوس في الكويت تحت عنوان (خير الدين الزركلي: ببلوغرافيا صور ووثائق وبعض ما لم ينشر من كتبه) وكان العلاونة قد أصدر عن الزركلي قبل ذلك كتابين أحدهما عن دار القلم بدمشق في عام 1423ه بعنوان (خير الدين الزركلي: المؤرخ الأديب الشاعر صاحب كتاب الأعلام) والآخر عن دارة الملك عبدالعزيز بالرياض في عام 1433ه بعنوان (خير الدين الزركلي: دراسة وتوثيق) كما أن له خمسة كتب متعلقة بالأعلام، ولذا فلا شك أن الأستاذ العلاونة من أكثر الباحثين اهتماماً بشخصية الزركلي وربما يكون أكثر الباحثين اطلاعاً على تراثه واتصالاً بأسرته، ومن هذا الباب فإن كتبه تكتسب مرجعية خاصة بحيث يجد فيها الباحث ما لا يجده في غيرها من المؤلفات حول الزركلي. ولا شك أن علامة مثل الزركلي ممن تفتخر به هذه البلاد التي احتضنته كما احتضنت خزانة كتبه التي انقسمت بين جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود ولا بد لنا بعد ذلك أن نتساءل عن المصير المجهول لآثاره المخطوطة والتي قد يكون بعضها غير مكتمل التصنيف أو لم يشرع فيها أصلاً كما أشار العلاونة في كتابه الأخير وقد لاحظت أن العلاونة في الكتاب الأخير قد ذكر منها خمسة عشر كتاباً فيما كان قد أورد في كتابه الأول الصادر عن دار القلم اثني عشر كتاباً فقط وزيادة العدد أمر طبيعي حيث إنه قد تستجد لدى الباحث معلومات مع مرور السنين يستوفيها في أبحاثه اللاحقة ولكن الغريب أنه استبعد من القائمة الجديدة كتاب (الملك عبدالعزيز في ذمة التاريخ) وهو أول الكتب التي ذكر الزركلي أنها بين يديه مما يصلح أن يهيأ للنشر وذلك في ترجمته لنفسه المنشورة في آخر طبعة دار العلم للملايين لكتاب الأعلام مع العلم أن العلاونة قد أورد هذا الكتاب في كتابه الأول ولم يوضح في الكتاب الأخير سبب استبعاده فلعله سقط سهواً. ومن الآثار المخطوطة التي لم يتطرق لها العلاونة لا في كتابه الأخير ولا في كتابه الأول مخطوطة في 45 صفحة لكتاب اسمه (نظراتي في مذكراتي) وهي آراء وتعليقات وتصويبات على كتاب (مذكراتي) للأمير عبدالله بن الحسين أمير شرق الأردن آنذاك حيث لم ينشرها لأن الملك عبدالعزيز رحمه الله اطلع عليها فرأى أن المصلحة العامة تقتضي عدم نشرها وفي هذا التصرف دلالة على بعد نظر عجيب وحكمة نادرة من قبل الملك الراحل. والمخطوطة الثانية التي لم يشر إليها العلاونة في كتابيه مخطوطة لرحلة الزركلي من القاهرة إلى الثوار السوريين في وادي السرحان في عام 1929م وكان الثوار قد لجأوا إلى الأراضي السعودية في عام 1927م فآوتهم بعد أن ضيّق عليهم الاستعمار وتخلّى عنهم من تخلّى. فلعل الأستاذ العلاونة يستدرك ما فاته من هذه الآثار التي ذكرناها في دراساته القادمة أو لعله يستدل على شيء من مخطوطات الزركلي المجهولة المصير وخاصة تلك التي تتعلق بالتاريخ السعودي فنسعد بنشرها كما سعدنا بنشر الهيئة المصرية العامة للكتاب في هذا العام لكتاب الزركلي (تراجم الأوائل والخلفاء).