الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد. تزخر المكتبة الإسلامية بعدد كبير من كتب التراجم على اختلاف فنونها، ومن الكتب الموسوعية التي شملت تراجمها لعلماء ومؤلفين في سائر الفنون كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي رحمه الله، ومقصدي وهدفي من هذا المقال القيام بإسداء خدمة ولو بسيطة لهذا السِفر العظيم والكتاب الجميل الذي عشت معه ليالي وأيام فنهلت من معينه ورشفت من رحيقه وتأملت في غرائبه وعجائبه ووجدته يورد الخبر المؤثر والقصة الطريفة والفائدة العلمية والنكتة الدقيقة فأغنى بكتابه عن جملة من الكتب: قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا(1) ولهذا كله كانت هذه الوقفات وهي: الأولى: اسم الكتاب. الأعلام "قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين" الثانية: المؤلف. خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي ( 1310- 1396ه )(2) الثالثة: مدة تأليفه. بدأ المؤلف الزركلي جمع المادة العلمية لكتابه والكتابة فيه عام 1330ه(3)واستمر في الزيادة والإضافة عليه كلما وجد معلومات جديدة حتى وفاته عام 1396ه أي استغرق تأليفه لهذا الكتاب أكثر من ستين عاماً وستلاحظ أخي القارئ أن هذه الزيادات زادت من حجم الكتاب ليس كما يفعله بعض المحققين أو المؤلفين من وضعهم كلمة (مزيدة ومنقحة) في بعض طبعات كتبهم وحينما يفتش الكتاب لاتوجد هذه الزيادة! الرابعة: مضمون الكتاب. الكتاب احتوى على التراجم من العصر الجاهلي وحتى قُبيل وفاة المؤلف أي عام 1396ه، وشمل العلماء المسلمين المبرزين في شتى فروع المعرفة، كما احتوى على العديد من تراجم مشايخ الشيعة، وبعض أعلام الفرق المنحرفة، وبعض المستعربين، وبعض المستشرقين. قال المؤلف: (كان من أماني النفس وضع كتاب يتناول بالذكر كل من عرض له خبر، أو دون له اسم في تاريخ العرب والمستعربين، من جاهليين وإسلاميين، متقدمين ومتأخرين، غير أني رأيت في ذلك عبئا لا ينهض به الفرد، وميدانا يقصر عن اقتحامه الجهد، فاكتفيت بأشهر الرجال والنساء ذكرا، وأثبتهم في صحيفة الأجيال عملا. وتعمدت الإيجاز ما استطعت. ولم أتعرض للأحياء من المعاصرين مخافة الوقوع فيما لا أحمد، والإنسان قد يتغير. وأثبت تراجم طائفة من المتأخرين قد أكون أهملت كثيرا من طبقتهم في المتقدمين، ثقة بأن كتب المؤرخين مفعمة بأخبار هؤلاء، وحرصا على استبقاء ما لم يدون من سير أولئك . وكان حق الاستشراق فيما قدمه بعض رجاله من خدمة للعربية، أن أترجم لجماعات منهم خلفوا آثارا فيها تأليفا بها أو نشرا لبعض مخطوطاتها ...)(4). الخامسة: طبعات الكتاب. طُبِع الكتاب عدة طبعات وما هذا إلا لجودة محتواه وكثرة فوائده وزيادة الطلب عليه والطبعات هي: الأولى عام 1347ه في ثلاث مجلدات. الثانية عام 1377ه في عشر مجلدات وكان العاشر منها مستدرك لما في الأجزاء التسعة وأضاف إليه نماذج من الخطوط والصور. الثالثة عام 1389ه في اثني عشر مجلد منها تسعة مجلدات للتراجم والعاشر المستدرك والمجلدين الأخيرين للخطوط والصور وجعلهما المجلد الحادي عشر(5). وهذه الطبعات الثلاث صدرت في حياة المؤلف وتوفي وهو يعد الكتاب للطبعة الرابعة التي صدرت بإشراف زهير فتح الله عام 1399ه عن دار العلم للملايين في ثمان مجلدات كبار ودمجت الخطوط والصور مع التراجم، وعن هذه الطبعة صورت سائر الطبعات اللاحقة. السادسة: نموذج من الكتاب. الإمام ابن حنبل ( 164- 241ه = 780- 855م ) أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله، الشيباني الوائلي : إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة. أصله من مرو، وكان أبوه والي سرخس. وولد ببغداد. فنشأ منكبا على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفارا كبيرة إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والمغرب والجزائر والعراقين وفارس وخراسان والجبال والأطراف. وصنف (المسند - ط) ستة مجلدات، يحتوي على ثلاثين ألف حديث. وله كتب في (التاريخ) و(الناسخ والمنسوخ) و(الرد على الزنادقة فيما ادعت به من متشابه القرآن - ط) و(التفسير) و(فضائل الصحابة) و(المناسك) و(الزهد - خ) في خزانة الرباط ( 292ك) و(الأشربة - خ) و(المسائل - خ) و(العلل والرجال - خ) في أيا صوفية (الرقم 338). وكان أسمر اللون، حسن الوجه، طويل القامة، يلبس الأبيض ويخضب رأسه ولحيته بالحناء. وفي أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن ومات قبل أن يناظر ابن حنبل، وتولى المعتصم فسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهرا لامتناعه عن القول بخلق القرآن، وأطلق سنة 220ه. ولم يصبه شر في زمن الواثق بالله - بعد المعتصم - ولما توفي الواثق وولي أخوه المتوكل ابن المعتصم أكرم الإمام ابن حنبل وقدمه، ومكث مدة لا يولي أحدا إلا بمشورته، وتوفي الإمام وهو على تقدمه عند المتوكل. ومما صنف في سيرته (مناقب الإمام أحمد - ط) لابن الجوزي، و(ابن حنبل - ط) لمحمد أبي زهرة، من معاصرينا. الهامش (1) ابن عساكر : 282وحلية : 1619والجمع 5وصفة الصفوة : 1902وإشراق التاريخ - خ - وابن خلكان : 171وتاريخ بغداد : 4124والبداية والنهاية : 32510- 343والفهرس التمهيدي. وجولدسيهر في دائرة المعارف الإسلامية : 4911- 496ومخطوطات الظاهرية 232وتذكرة النوادر (6). السابعة: محاسن ومزايا الكتاب. 1) الدقة البالغة في تحرير الترجمة. 2) تنقية بعض كتب التراجم مما علق بها من وهم أو تصحيف أو تحريف. 3) الرجوع في توثيق الترجمة إلى المصادر المخطوطة إذا عز وجود المطبوعة. 4) الاستعانة بالمراجع الحية من أهل العلم. 5) التنبيه على بعض الفوائد العلمية. 6) الإنصاف والبعد عن الهوى. 7) ذكر نفائس المخطوطات ونوادرها التي رآها في رحلاته وسفراته. 8) إثبات صور وخطوط العلماء قديماً وحديثاً. 9) الإطالة في الترجمة إذا لم يجد ترجمة مستوفاة فيما كتب عنه المتقدمون أو المتأخرون (7). 10) الدلالة على مواضع بعض المخطوطات. الثامنة: المآخذ عليه. إن عمل المؤلف كأي عمل بشري لايخلو من الخطاء والمآخذ وإذا قيست مآخذه مع عمله الجبار الذي خدم به التاريخ كانت كأنها لم تكن: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع (8) والمآخذ هي: 1) لم يترجم من الأنبياء إلا المصطفى وشعيب وأيوب وهود وإسماعيل وصالح عليهم أفضل الصلاة والسلام فأين بقية الأنبياء الذين ذُكِروا في القرآن؟ 2) لم يترجم لسلاطين الدولة العثمانية مع أنه ترجم للمماليك والمستشرقين. 3) لم يترجم لبعض المشاهير من القدماء والمعاصرين (9). التاسعة: الخدمات التي قُدِمت لهذا الكتاب. عُمِلت حول هذا الكتاب عدة أعمال وقُدِمت عدة خدمات وما هذا إلا للمكانة التي تسنمها هذا السِفر العظيم بين كتب التراجم وعند أهل العلم والفضل، ويمكن لنا تقسيم هذه الأعمال إلى أقسام أربعة هي: 1) مختصراته. 2) التذييل عليه. 3) الاستدراك عليه. 4) بيان أوهامه. القسم الأول: مختصراته. 1) معجم الأعلام للأستاذ بسام الجابي في مجلد ضخم يقع في 1000صفحة وصدر عن دار الجفان والجابي عام 1407ه 2) ترتيب الأعلام على الأعوام رتبه وعلق عليه زهير ظاظا في مجلدين وصدر عن دار الأرقم بن أبي الأرقم بيروت، وجعل بآخره فهرساً للأعلام والترتيب صنعه محمد نزار تميم وهيثم نزار تميم. القسم الثاني: التذييل عليه. 1) تتمة الأعلام للأستاذ محمد خير رمضان يوسف في مجلدين وذكر فيه وفيات عام 1397-1415ه وصدر عن دار ابن حزم بيروت الطبعة الأولى عام 1418ه وجعل بآخره مستدرك على التتمة، ثم طُبِع الطبعة الثانية عن نفس الدار عام 1422ه في ثلاث مجلدات الأخير منها مستدرك على التتمة. 2) ذيل الأعلام للأستاذ أحمد العلاونة في ثلاث مجلدات وذكر فيه وفيات عام 1397- 1426ه وصدر الجزء الأول عن دار المنارة بجدة عام 1418ه، والثاني عن نفس الدار عام 1422ه، والثالث عن نفس الدار عام 1427ه . 3) إتمام الأعلام للدكتور نزار أباظة والأستاذ محمد رياض المالح في مجلد وصدر عن دار صادر بيروت الطبعة الأولى عام 1999م القسم الثالث: الاستدراك عليه. 1) قام الأستاذ أحمد العلاونة بالاستدراك على الأعلام وجعله في الجزء الأول من كتابه المتقدم من 239- 2328) الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام للأستاذ محمد بن عبد الله الرشيد في مجلد وصدر عن مكتبة الإمام الشافعي الرياض ودار ابن حزم بيروت عام 1422ه 3) نظرات في كتاب الأعلام للأستاذ أحمد العلاونة في مجلد وصدر عن المكتب الإسلامي بيروت عام 1424ه 4) تحقيقات وتصحيحات لكتاب الأعلام للأستاذ محمد أحمد دهمان مقال نُشِر في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد 53الجزء الثاني ربيع الآخر 1398ه(10). 5) الشيخ إسماعيل بن علي الأكوع حيث نُشِر له مقال في مجلة العرب السنة الثامنة محرم وصفر 1394ه من 562- 569(11). 6) الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حيث قال:( وللأستاذ محمد أحمد دهمان مقال ذكر فيه أوهام الزركلي في الأعلام، ولديَّ ضعفها، فإن نشطت جمعت ما هنالك في كتيب مستقل) (12). القسم الرابع: بيان أوهامه. 1) الإعلام بما وقع في أعلام الزركلي من الأوهام للأستاذ أحمد العلاونة ضمن الجزء الثاني من ذيل الأعلام من 223- 255بقي كتاب 1) فوات الأعلام مع الاستدراكات والإسهام في إتمام الأعلام للأستاذ عبد العزيز الرفاعي في مجلد لطيف راجعه وأعده للنشر الدكتور بهاء الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب وصدر عن دار الرفاعي عام 1420ه وجعله أقسام ثلاث هي: 1- فوات الأعلام. 2- استدراكات على الأعلام. 3- الإسهام في إتمام الأعلام. ولعل المؤلف كان ينوي القيام بمشروع كبير حول الأعلام لكن المنية اخترمته رحمه الله. العاشرة: أُمنية. 1) أتمنى لو أعيد طباعة الكتاب وضُم إليه جميع الذيول والاستدراكات ويكون ذلك كله تحت إشراف أهل العلم والاختصاص حتى يصبح الكتاب وحدة متكاملة تصل الحديث بالقديم. 2) إنشاء مؤسسة علمية يشرف عليها أيضاً أهل العلم والاختصاص تهتم بتدوين تراجم من يتوفى من الأعلام وتصدر لها كتاب سنوي يكون فيه تراجم المتوفين في هذه السنة ويعتبر ذيلاً للأعلام. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.