في كتب الطب ومراجعه (أثناء دراستي وإلى الآن) تكون هناك نبذة تاريخية في بداية أو نهاية كل كتاب.. لأي موضوع ندرسه عن مرض ما.. إما عن المرض نفسه أو عن من اكتشفه ونحو ذلك.. وقد كنت أحرص على قراءة تلك النبذة.. وأستمتع بقراءتها.. بعكس المقرر الدراسي.. كالذي قرأته عن هنري قري (كنا نسميه قريز) أبو علم التشريح.. والذي مات في عمر الثامنة والعشرين.. بعد تأليفه لمجلد يقع في ألفي صفحة من القطع الكبير.. فلو امتد به العمر فكم يا ترى ستكون عدد صفحات مجلد ومقرر مادة التشريح.. فحمداً لله على عمره القصير.. أو لويس باستير أبو التعقيم والبسترة.. الذي لو طبق محبو حليب الخلفات علمه لتجنبوا الإصابة بالحمى المالطية.. ماعلينا.. ومن ذاكرتي القديمة وقبل أن تشيخ.. كان هناك في كتاب علم الأمراض بضعة أسطر (تاريخية) عن مرض التيتنوس (الكزاز) تقول الأسطر أو التمهيد التاريخي إن عدد الوفيات بين الجنود الأمريكيين المصابين في الحرب العالمية الثانية (أربعينيات القرن الميلادي الماضي) انخفض بشكل كبير بسبب إخضاع الجنود للتطعيم الإلزامي ضد مرض الكزاز الفتاك.. قبل دخول الحرب والإصابة بالجروح.. التي كانت جرثومة التيتانوس تقتل من تصيبه لا محالة.. ونحن أيام زمان لم نتلقَ أي تطعيم بطبيعة الحال ونلعب حفاة الأقدام.. على أرض ترابية متسخة تحتوي بلا شك على بكتيريا الكزاز العتيدة.. ونُصاب بجراح كبيرة وبليغة تنزف.. فلا تستطيع بكتيريا الكزاز أن تصيب أحدنا بفضل من الله (السالم معزول) مع أن المرض يصيب تقريباً كل من يتعرض لأي جرح مهما كان بسيطاً وصغيراً في بيئة ملوثة كملاعبنا الترابية أيام زمان.. ولا أنسى (تاريخياً) طفلة أو شابة إنجليزية أُصيبت بالمرض وماتت بسببه.. في الريف الإنجليزي الجميل والنظيف.. بعد سقوطها من دراجة هوائية كانت تقودها.. تُسمى هناك بايسكل.. وعندنا سيكل وسياكل.. تَك وبلون.. من فرحتنا بالسيكل نركبه ثلاثة صبية.. السائق ومردوف في الخلف وثالث على العمود.. ولا أنسى أيضاً سقوطنا أيام زمان من السيكل في ريف القرينين ومعكال ومنفوحة بلا إصابات تُذكر.. فمسكينة من سقطت في الريف الانجليزي.. لتصيبها جرثومة الكزاز الشرسة.. وتودي بحياتها.. ولا نصاب نحن في ريف العسيلة.. أثناء لعبنا بكرة الصَب.. حفاة.. نحفر الأرض طولاً وعرضاً.. بجروح دامية ومفتوحة تأبى بكتيريا التيتنوس دخولها.. بل تتطاير التيتنوس مع الغبار.. لتدخل جُرحاً نظيفاً.. لشابة في الريف الإنجليزي.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. *مستشار سابق في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية