موضوع هذا البحث دور الأرشيف والذاكرة في الإنتاج الثقافي، وصناعة صورة الفنان، واستحضر نموذج الفنان الكبير عبداللطيف الكويتي تمهيداً لتحليل نموذج كبير آخر هو طلال مداح. هذا جزؤها السابع. وقد توصل باحث إلى رصد العلاقة بين القراءات القرآنية وصلتها بفنون الأداء إما ذات الطابع الترفيهي (موسيقى الفن) وإما ذات الطابع الطقوسي (الموسيقى السلالية) فنقتص من ملاحظته هذا الوصف الاستنتاجي – غير المأخوذ بقطعيته الاستشراقية-: "وطريقة التجويد تختلف من بلد آخر إلى آخر، ففي بلاد الشرق العربي مثل مصر وسورية والجزيرة العربيّة كلها كما في تركيا وإيران وماليزيا هي أقرب إلى الموسيقى الفن. أما في أفريقيا والمغرب العربي فأقرب إلى الموسيقى السلاليّة، والبلاد الخماسيّة اللحن مثل السودان والصومال وموريتانيا وجيبوتي ومالي فخماسيّة التوقيع اللحني. ولكنهم موحّدين في محاولة تقديم الرسالة محلاة بآداب التفهيم لكلام الله بما يليق به من احترام إلهي، فالمسؤوليّة رفيعة" (علاء الدين، 2014، معازف). إن فنون الأداء والكلام والحركة تتخذ عمليات طويلة من الابتكار والتكريس في حياة كل مجتمع تتلبس بالمنطوق اللغوي والظلال النغمي والتشكيل الإيقاعي غير أنها تتطابق مع جيناته وللمتمكن من العلوم الإنسانية والاجتماعية التفريق بين عناصر أصيلة ودخيلة لا يصعب من معرفتها مهما كانت عمليات التمثيل والإدماج. وإذا عرفنا أن فنون الأداء تستقر على قواعد وخصائص يعاد تكييفها بحسب الوظيفة والدور إن دينياً وإن دنيوياً. حيث تكتسب في الألحان مرونة في قبول تركيب مختلف النصوص الشعرية وإن كانت تلتزم عروضياً فهي تتبدل في المواضيع بحسب إرادة المتحكمين في إنتاجها (الواصل، 2014، معازف). فإن ملاحظة عبدالوهاب لهي لافتة في رصد التشارك بين ما سمعه من طلال مداح وما سمعه من مغني النوبة الأندلسية في المغرب ما دعاه لإطلاق اسم "زرياب" لقباً لطلال مداح. كأنما هي إشارة إلى "ترحال النغم" واكتشاف "منبع النغم" نفسه. إن الأندلس حضارياً في عنصرها العربي واليمني عالة على مصادرها في الجزيرة العربية والهلال الخصيب وشمال أفريقيا، فعندما عادت شخصيات ثقافية لأسباب تواصل الحروب الأهلية في الأندلس شكل نزوحها عودة إلى الديار الأولى. الأندلس كانت مهجراً أوروبياً كان لا بد من تركها يوماً ما. لم تكن الأندلس وحدها. صقلية كذلك. إنها تكديس لسردية "المجد الضائع" و"الفردوس المفقود". عبدالوهاب حرر خرافة "زرياب" من سردية "المغني الساحر" وجدها في طلال مداح. **مقاطع فصل من كتاب جديد بعنوان "زرياب الآخر" يصدر قريباً عن منشورات أحمد الواصل ومنشورات ضفاف.