موضوع هذا البحث دور الأرشيف والذاكرة في الإنتاج الثقافي، وصناعة صورة الفنان، واستحضر نموذج الفنان الكبير عبد اللطيف الكويتي تمهيداً لتحليل نموذج كبير آخر هو طلال مداح. هذا جزؤها الخامس. وفي حوار آخر وردت ذات القضية حينها: المذيع: طيب بالنسبة لذكرياتك في القاهرة. لا شك أنك التقيت مع عمالقة الفن العربي. وعلى رأسهم الأستاذ محمد عبدالوهاب ماذا كان حديثك معه؟ عبد اللطيف: الأستاذ محمد عبد الوهاب اتفقت معه في بيروت في منزل مدير شركة أسطوانات بيضافون ودار البحث بيني وبينه عن أغاني الخليج العربي والجزيرة العربية. سألني: هل أنت تلحن هذه الأغاني (أو) لا؟ أو يلحنوها لك؟ فأنا جاوبته بأن هذه الأغاني قديمة. أنا ما ألحّن ولا يلحنون لي، هذه القصائد التي سجلتها قديمة. المذيع: يعني كان يجهل الفن في الخليج والجزيرة العربية؟ عبد اللطيف: ما أفتكر الأستاذ عبدالوهاب يجهلها. سامعها ولكن ما يعرف من هو الملحن وهو سألني وأنا قلت له. يقال بأن هذه الأغاني يشدونها المغنون في زمن الأمويين والعباسيين كما نسمع من آبائنا وأجدادنا هذا الكلام. (حوار إذاعي المذيع: غير معروف،1971، البحرين). ويمكن تخيّل اندهاش عبدالوهاب حينها الذي كان يخطو نحو بناء مسيرته الثقافية في بداياتها مازجاً بين الغناء المصري التقليدي بمرجعية حضرية وشعبية، وبين الغناء الأوروبي بمرجعية تقليدية وريفية ستدعم خط الغناء التثاقفي في القرن العشرين. ورغم أنه لا يمكن اكتشاف الأثر الذي تركه سماع هذه الأعمال غير أنه يمكن التوقف عند جملة موسيقية تحمل مزاج الخليج العربي في صياغتها النغمية ترحلت بين قصيدة "الصبا والجمال" (شعر الأخطل الصغير) وأغنية "أيّوه" (خالد الفيصل – محمد عبده) واستعادها غنام الديكان في أوبريت استقبال الملك خالد. كذلك عبدالوهاب التقط من أعمال العراقي محمد القبانجي نغمة بنى عليها لحن أغنية "يللي زرعتوا البرتقال". ولعلنا في الأسبوع القادم نتناول المقولة الثانية.. **مقاطع فصل من كتاب جديد بعنوان "زرياب الآخر" يصدر قريباً عن منشورات أحمد الواصل ومنشورات ضفاف.