موضوع هذا البحث دور الأرشيف والذاكرة في الإنتاج الثقافي، وصناعة صورة الفنان، واستحضر نموذج الفنان الكبير عبداللطيف الكويتي تمهيداً لتحليل نموذج كبير آخر هو طلال مداح. وهذا جزؤها السادس. وأما المقولة الثانية فهي مقولة "ابن زرياب" محمد عبدالوهاب في جلسة خاصة جمعت الأستاذ محمد عبدالوهاب وهاني مهنى بطلال مداح والشاعر محمد العبدالله الفيصل حيث شدا مداح بأكثر من عمل منها المجس (الموال الحجازي) "صاح في العاشقين" وأغنية "أغراب" (محمد العبد الله الفيصل - سراج عمر) استوقف عبدالوهاب خلال سماعه "عُرَب الهبوط" التلوين الصوتي الذي يصاحب أداء المجس الحجازي حيث استرعى انتباه عبدالوهاب أنه موجود في غناء أهل المغرب، وهو يقصد هنا الموال ضمن ما يسمى "النوبة" التي تنسب خطأ إلى الأندلس. وهنا عبدالوهاب يكشف عن تمرس ممتاز في معرفة دقائق توظيف جينات الصوت في النغم فهو أدرك مسألة "ترحال النغم" كما أنه يفتح سؤالاً كبيراً عن هجرة الثقافة مع شعوبها. قد عرفت حركة هجرات القبائل العربية واليمنية - بديلاً عن عرب الشمال والجنوب - لأسباب بيئية وسياسية واقتصادية تتخذ لبوسات إيديولوجية عدة مثل انهيار سد مأرب وموجات التصحر والغزو الحبشي والغزوات الإسلامية إلى العراق والشام ومصر حتى إيبريا - الأندلس فيما بعد. ولهذه الأسباب تتنقل الثقافة بأعقاب أهلها - إن عربية وإن يمنية - حيث انعكس هذا على كثير من فنون الأداء ضمن التراث المعنوي كما أنه ينطبق الحال على التراث المادي أيضاً. ولو تطلعنا إلى انعكاس ذلك عبر المنقولات الصوتية الملازمة للترتيل القرآني ضمن القراءات القرآنية التي اتخذت مدارسها بأثر المكونات الاجتماعية والثقافية لمجتمعات الجزيرة العربية، ففيها تمثلت ملامح وسمات كل إقليم بمجتمعه. فالقراءة المَسْعُودية (عبدالله بن مسعود) - إن جازت التسمية والنسبة - المتعارف عليها برواية حفص عن عاصم (ابن أبي النجود) تمثل التيار النجدي أو التميمي (وسط الجزيرة العربية وشرقها) بينما القراءة النافعية (نافع بن عبدالرحمن) المتعارف عليها بروايتي ورش وقالون تمثل التيار الحجازي - المدني وأما القراءة الأشعرية (أبو موسى الأشعري) - لا علاقة لها بالمذهب - المتعارف عليها برواية الدوري تمثل التيار اليمني (الواصل، 2014، معازف). ** مقاطع فصل من كتاب جديد بعنوان "زرياب الآخر" يصدر قريباً عن منشورات أحمد الواصل ومنشورات ضفاف.