إذا كانت فرنسا تلح في خطابها الرسمي على أن مفاعلاتها النووية تعد من أهم المفاعلات المحمية في العالم، فإن تحليق طائرات صغيرة الحجم منذ أسابيع فوق عدد من هذه المفاعلات يطرح اليوم أسئلة كثيرة حول جدوي مثل هذا الخطاب، لاسيما وأن الغموض يحيط بعدة جوانب من الموضوع منها عدم التعرف إلى هوية أصحاب هذه الطائرات وعدم التوصل إلى تحديد الأغراض التي يرغب هؤلاء في تحقيقها من وراء التحليق بانتظام منذ الخامس من شهر أكتوبر الماضي فوق عدد من المفاعلات النووية الفرنسية وموقف الأطراف التي تشرف على إدارة هذه المفاعلات والموقف الرسمي من الملف برمته. تساؤلات كثيرة ما يدعو الناشطين في المجال البيئي إلى التساؤل حول الموقف الفرنسي أنه قلل كثيرا من مخاطر عمليات التحليق هذه والتي تحصل عادة في الليل أو في الصباح الباكر. وقد اكتفت الشركة الكهربائية الوطنية الفرنسية التي تعنى بإدارة هذه المفاعلات النووية التي تؤمن لوحدها قرابة ثلاثة أرباع الكهرباء المنتجة في البلاد برفع شكاوى قضائية بالنسبة إلى المفاعلات التي استهدفتها عمليات التحليق من قبل طائرات صغيرة الحجم بدون طيار، علما أن القوانين الفرنسية تمنع منعا باتا التحليق فوق المساحات التي تبعد خمسة كيلومترات عن هذه المفاعلات. كما تمنع التحليق فوقها على ارتفاع يصل إلى ألف متر. ومن يخالف ذلك يعرض نفسه لعقوبة بالسجن لمدة عام ويغرم بمبلغ قدره 75 ألف يورو. وذكرت السلطات الرسمية أنها على علم بكل التجاوزات التي ارتكبت بشأن الطائرات بدون طيار والتي حلقت خلال الأسابيع الأخيرة فوق عدد من المفاعلات النووية الموزعة في مختلف مناطق البلاد. وقد علمت "الرياض" من مصادر مطلعة أن السلطات الفرنسية طلبت من مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية العمل على إجراء تحقيق شامل ومفصل حول هذه العمليات انطلاقا أساسا من الشركات الفرنسية المتخصصة في صناعة هذه الطائرات والتي يتجاوز عددها أربع مئة مؤسسة وكذلك انطلاقا من سجل النوادي المتخصصة في تدريب مستخدمي هذه الطائرات على قيادتها من الأرض. محطة نووية فرنسية كما طلب من الشرطة المتخصصة في الجنح والجرائم التي يعد لها عبر شبكة الإنترنت بذل قصارى جهدها لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي التي يعتقد أن أطرافا تستخدمها لتنسيق عمليات التحليق فوق المفاعلات النووية الفرنسية بشكل منتظم. تطمينات غير كافية وأكدت السلطات الفرنسية أنه لا خوف على المفاعلات النووية من هذه الطائرات لأنها صغيرة الحجم وليس بإمكانها أن تتسبب في إلحاق أضرار بالمنشآت النووية. وقد دعم عدد من الخبراء الأمنيين هذه الرواية. ومنهم على سبيل المثال ميشيل نيستيرينكو الباحث في مركز الأبحاث الفرنسي حول المعلومة والذي أكد أكثر من مرة أن الطائرات الضخمة التي تكون محملة بكميات كبيرة من المتفجرات هي القادرة على إلحاق أضرار بالمفاعلات النووية إذا ارتطمت بها. ولكن هذه الشروح لم تكن كافية لتبديد مخاوف منظمة "السلام الأخضر" التي أكدت أن تجهيز الطائرات الصغيرة بدون طيار بشحنات صغيرة من المتفجرات يمكن أن يلحق أضرارا بالمباني التي تحتوي على مياه يخزن فيها الوقود المستهلك، وهو وقود مشع. ويكفي أن يحصل ثقب صغير في موضع ما من هذه المباني حتى تتسرب المواد المشعة إلى الخارج. وتلح منظمة "السلام الأخضر" على ضرورة أن تتولى السلطات الفرنسية وغير الفرنسية على ضرورة مراجعة القوانين التي تتعلق بمراقبة المنشآت الحساسة التي قد تكون هدفا لعمليات إرهابية بواسطة طائرات بدون طيار. وتجدر الملاحظة إلى أن فرنسا تملك اليوم 59 مفاعلا نوويا موزعة على 19 محطة وأن شركاتها الخاصة أصبحت من أهم الشركات الأوروبية المتخصصة في صنع الطائرات الصغيرة بدون طيار لاستخدامها في أغراض مدنية منها مراقبة خطوط السكة الحديد والوقاية من حرائق الغابات والمساهمة في إطفائها ومراقبة المزارع ووضع خرائط مفصلة لعدد من المنشآت الاقتصادية أو القرى والمدن والحفريات الأثرية. ولكن فرنسا وبقية دول الاتحاد الأوروبي لا تزال في بداية الطريق في ما يتعلق بصناعة الطائرات بدون طيار والمخصصة للمجال العسكري.. وتظل الولاياتالمتحدة قاطرة الدول المنتجة لهذه الطائرات ذات الاستخدام العسكري تليها الدولة العبرية.