لا أدري كيف ننقذ أنفسنا من أوهام تعبث بقيمنا وترهق أعصابنا وهي لا تمت للواقع بصِلة، سأسوق مثالاً بسيطاً، فحينما تتصل على أحد الزملاء أو الأقرباء أو حتى رئيسك بالعمل بالجوال ولا يجيب على الهاتف الجوال فإن التصور وبسرعة البرق سيتجه إلى التحليل الخاطئ والأسوأ في ذات الوقت وتكون الأفكار المؤذية في الصدارة أكيد زعلان، أكيد أخذ على خاطره، ليش ما رد؟ وهكذا تتآكل القوة المعنوية لديك بفعل هذه التصورات الخاطئة وتؤسس لحالة تشاؤمية مقلقة، وفي نهاية الأمر تجد الأمور كلها تمام التمام وأن هذه الاستنتاجات لم تكن سوى معبر لإبليس اللعين في زرع الوساوس والأوهام، وهكذا ينجح الشيطان اللعين في إثارة البغضاء وشحن النفوس بأمور ليست على أرض الواقع ولا تمت إلى الحقيقة بصِلة، وفي واقع الامر فإن هذه قضية نفسية يجب أن يتصدى لها المتخصصون النفسيون لنستطيع محاربة هذا الجيش الجرار من الاوهام بكل ما نملكه من أدوات تمكننا من إبادته لأهمية الاستقرار النفسي والفكري في حياة الإنسان فضلاً عن ان ديننا الحنيف حثنا على التفاؤل، وقد وردت الوساوس في القرآن الكريم والاستعاذة منها ذلك أن الوساوس تهلك المقومات الفكرية والمعنوية لدى الفرد وتسعى إلى تحطيمه واستدراجه لأمور سيئة باستباق الشرور والحكم على النوايا، فطالما الإنسان يؤمن بالله واليوم الاخر ويحب خالقه ويحب رسوله ومخلص في نيته، ويجتهد ويعمل ويلتزم بالقيم والمبادئ فلِمَ الخوف؟ ولم التوجسات السلبية المؤذية؟ فإذا كنت واضحاً في عملك في علاقاتك في تعاملك فلا تلتفت إلى هذه الترهات، وإذا كان التوجس السلبي يقتحم الهواجس بهذه الصيغة المؤلمة والمنافية للتوجه السليم إزاء التفاؤل بالخير وإحسان الظن على المستوى الفردي، فإنه على المستوى الجمعي يكون أشد وطأة لاسيما حينما يلقي التهويل بظلاله من مغبة طرق هذا السبيل أو ذاك ليقبع التطوير في زاوية الجمود الداكنة نتيجة لاستباق الافتراضات الوهمية السلبية، والسؤال الذي يتكرر مراراً حول الجانب المظلم (افرض لو عملنا كذا وحصل كذا) فيما يغيب الجانب المضيء في هذه المعادلة، والسؤال هنا لماذا يفترض الأسوأ وليس العكس؟ (افرض لو أخذنا بهذا الأمر وعالجنا السلبيات المتوقعة وأعددنا الخطط الوقائية لتوخي حدوث ما يجول بخاطر المتشائمين، بدلاً من ترك الأمر برمته وعدم الاستفادة من الجوانب الإيجابية. التشاؤم داء عضال وما لبث يحرق الفرص، حاجباً الحلول عن الشخص المتأزم، وكلما غرق في التشاؤم غرقت الحلول المتاحة في بحر اليأس ليسدل القنوط المنهي عنه إزاره البائس ويجره من حيث لا يدرك إلى النهاية المؤسفة والخسارة الحتمية، والأمر الآخر لماذا نغضب لأتفه الأسباب وتنحسر مسألة التحمل وحكمة الاستيعاب ؟ ففي ظل التقدم التقني بوتيرته المتسارعة وافرازات الحضارة المعاصرة بات الانفعال والتشنج سمات بارزة في حين يتم محاصرة المبدأ الانساني النبيل العفو عند المقدرة والتسامح في قبول المعذرة، ما يلغي قيمة الاعتذار كسلوك حضاري نبيل، ويحاصر نبل الأخلاق حينما يلغي الأريحية من قاموس التعامل وهذا بدوره يحيلنا إلى إشكالية أشد خطراً وأكثر تعقيداً، ويضيق الخناق على مفهوم بديع يسوغ التفاهم بين البشر ويساهم في بقائهم ويصر على الحضور بالرغم من محاصرته بأسلاك شائكة ألا وهو الصبر هذه القيمة القيًمة. وإذا كان الصبر ساهم وبفعالية لمن اتصف به لبلوغ المجد، فإن الصبر أيضاً على الملمات والظروف التي تصيب الإنسان أكثر مجداً وأرفع شأناً وتأثيراً لما لهذه الصفة الجميلة والنبيلة من قيمة رفيعة كيف لا ورب العزة والجلال ذكرها في كتابه الكريم في مواقف عدة ويزيد هذه الصفة جمالاً وبهاء محبة الخالق عز وجل للصابرين والبشرى لهم، فكيف تتاح هذه الفرصة الثمينة والتي لا تقدر بأموال الدنيا ونعرض عنها في غفلة من أمرنا ما يتيح المجال لإبليس اللعين لكي يفرض هيمنته وسيطرته على قلب المؤمن مساهماً في تغييب عقله ومخلخلاً إيمانه بربه ليقع في المحظور في نزوة شيطانية لتشكل جسراً سهلاً لعبور النزعة العدائية في لحظة تسرع وانفعال تهوي به إلى القاع فاقداً بذلك احترامه لنفسه بل وقيمته، وإذا قنط المسلم من رحمة الله فإن هذا ضعف في يقينه واهتزاز في قناعته ملوثاً ابليس اللعين فكره ولا يبرح متغلغلاً في وجدانه مستغلا هذه الظروف القاسية ليبعده عن طاعة ربه ويجعل القنوط مؤشراً لانحرافه، ومسألة التحكم بالمشاعر في هذه الحالة من الأهمية بمكان وتنطوي على سلامة العقل وصفاء النية ونضج الادراك يا إلهي ما أرحمك وما أعدلك اللهم اجعلنا من الصابرين المحتسبين ولا تحرمنا عفوك ورضاك انك جواد كريم. قال الشاعر تنكر لي دهري ولم يدر أنني أعز وأحداث الزمان تهون فظل يريني الخطب كيف اعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكون