ولد باتريك موديانو صاحب العشرين رواية عام 1945 بعد أن ألقت الحرب العالمية الثانية مخلفاتها والتي كان منها لقاء والديه -الأب الايطالي واليهودي في نفس الوقت والأم البلجيكية- حيث تسبب والده الذي كان يعمل شرطيًا سريًا للألمان ووالدتهُ المُمثِلة في نشأته؛ مابين غياب والده المستمر وأسفار أمه المتعددة، وكاد حينها أن يتوقف عن الدراسة في المرحلة الثانوية لولا عون حكومة فرنسا له، كل تلك الظروف أجبرته على التقرب من أخيه "رودي" والذي فقده أيضا بعد مرض أصابه وهو في العاشرة من عمره، ولذلك نجد أعمال موديانو الأدبية التي تقبع بين عامي 1967 وعام 1982 غالبيتها مذيلة بإهداء إلى رودي. درس الهندسة على يد معلمته الأديبة والصديقة المقربة إلى أمه "ريموند كوين" والتي فتحت له باب الأدب العالمي وهو في سن الثالثة والعشرين حيث أصدر أول رواية له، وفي سن التسعة والستين وبعد أن أصبح باتريك " مخزنا لفن الذاكرة " حصد ثمار تشرده وحزنه ومراهقته المليئة بالضجيج وصوت والصواريخ والغبار رغم قلب والدته البارد، حصدها في السويد وتوج هناك بجائزة نوبل للأدب العالمي!، ورغم أنه ليس شغوفا بالكتابة؛ إلا أنه تفرغ لها بعد أولى أعماله، وفي هذا السياق قال: "إن هناك أشياء أكثر متعة.. لفترة طويلة كان لدي الحلم ذاته، أن أتوقف عن الكتابة، أريد أن أكون حرا، عندما أنظر إلى مسوداتي الأولى أشعر بضيق المسافات، أشعر كما لو أنني أختنق، إن الكتابة أشبه بالقيادة في الضباب.. لا تعرف الوجهة لكن عليك الاستمرار وحسب!". أخرج سلسلة أعمال روائية عظيمة جمع فيها بين مسألتين بارزتين "البحث عن الهوية والبحث عن الذات" وقرنها بقضية يعيشها عالمنا العربي هذه الفترة وهي "الشعور الإنساني الفردي بضعف الإنسان". وكانت تتميز تلك السلسلة الروائية وبقية أعماله أيضا ببساطة الأسلوب ووضوحه؛ الأمر الذي جعل منه أديباً محبباً لدى الوسط الأدبي ومتناولاً بسهولة أيضا لدى الجمهور العام. وفي بيان الأكاديمية السويدية على أن موديانو قد كرم بفضل "فن الذاكرة" الذي عالج من خلاله مصير الإنسان الحتمي، ورغم ذلك فإنه كان يشك "كإنسان" في الأشياء التي يشعر بحبها، حيث ذكر في إحدى تصريحاته الصحفية أنه "كلما ظلت الأشياء غامضة ومجهولة.. كانت أكثر إثارة لي" كما حاول أن يكتسب قلمه إثارة من الأشياء الاعتيادية إن وجدها. خلال السبعة عقود الماضية لم يلهم باتريك المكتبة الروائية فحسب، بل كتب للطفل و ساهم في المسرح والسينما، كما اقتبست بعض أعماله في منتجات مرئية، وكان من تلك الأعمال فيلم " لاكومب لوسيان " الذي يناقش التدخل بين فرنسا والحكم النازي، أيضا قام باتريك في فيلم genealogies of crime بلعب دور "بوب" حيث ظهر من الممثلة الفرنسية الشهيرة " كاترين دينيف" عام 1977. يذكر أن عريس نوبل لعام 2014 قد حصل على عدة جوائز خلال نقشه لذاكرة الإنسان واكتشاف ذاته والشعور بالكمال الإنساني، كان أهمها عندما فاز بجائزة جونكور للآداب عام 1978 عن روايته "missing person "، إضافة إلى جائزة الدولة الكبرى في الآداب في عام 1996، والجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية عن رواية "ring roads"، وجائزتي روجيه نيميه، و فينيون اللتان توجتا أول أعماله الروائية.