في بيان للأكاديمية السويدية القائمة على منح جائزة نوبل للأدب، جاء فيه أن باتريك موديانو استكشف النسيان في روايته الأخيرة.. فالجائزة منحت على رأي أحد المسؤولين في الأكاديمية، للكاتب الذي استطاع أن يجعل من الذاكرة فنا، إذ تمكن موديانو بلغة فنية أن يطرح إشكاليات مصائر الإنسان الأكثر تعقيدا وأن يكشف عالما مراوغا، مشغولا ومجهولا للبسطاء.. باتريك موديانو، الكاتب والروائي الفرنسي يتوج بجائزة نوبل للأدب.. هذا التتويج لقي استحسانا لدى المثقفين والقراء لما يحظى به الأديب من محبة وإعجاب عن الكثير من روائعه الأدبية وحتى السينمائية التي حازت العديد من الجوائز في فرنسا وخارجها. باتريك موديانو لم يعرف بتتويجه بالجائزة إلا من خلال تغريدة لأحد مسؤولي دار غاليمار، وقد ذكر مسؤول عن الأكاديمية السويدية أنهم حاولوا مرار الاتصال بموديانو قبل الإعلان الرسمي للجائزة ولكنه كان «خارج مجال الاتصال».. ويبدو أن تغريدة غاليمار سببت الكثير من الانفعال والفرح لباتريك الذي لم يأخذ التغريدة على محمل الجد إلا بعد أن تأكد من خلال اتصال أحد المسؤولين الفرنسيين به. الأكاديمية السويدية كافأت الكاتب الفرنسي بعد ست سنوات من مكافأة «لو كليزيو» وجاء هذا التكريم لموديانو عن كل رواياته التي كانت عبارة عن بحث مستمر للماضي. رواية الكاتب باتريك موديانو التي رشحته للجائزة هي تحفة أدبية رصت بشكل متفاني حيثيات مواضيع متعددة كانت تبعث في ماضيه وماضي غيره من الشخصيات التي يختارها ويخترعها في كل رواياته والتي يغوص فيها ويضيع معها. عنوان روايته الأخيرة يعكس كل هذا الغوص والامتداد «حتى لا تضيع في الحي»، وهي قصة ضياع وذاكرة منسية، كعبارة قد تكتب على أطراف ورقة من الأوراق لتسلم إلى الراوي في نهاية الرواية، قصة للتوغل في الماضي وبإلحاح على منح كل شيء حقه بصدقية متناهية. معظم رواياته، بدءا بروايته الأولى «ساحة النجمة» التي صدرت عن دار غاليمار، في عام 1968 إلى روايته الأخيرة «حتى لا تضيع في الحي» عن دار غاليمار، مرورا بتتويجه بجائزة غونكور عام 1978، و«شارع الحوانيت المعتمة» الصادرة عن دار غاليمار كلها روايات جاءت نصوصها بحثا وغوصا في الماضي. هذه الرواية لا تنفصل عن باقي الروايات لباتريك موديانو، فهي تواصل منهجي وأدبي لعنواين أخرى كتبها موديانو مثل «شارع الحوانيت المعتمة» التي تستهل بتصريح مطابق تماما للراوي الذي أصيب بالسهو، حيث يقول: «أنا لا شيء». أما رواية «حتى لا تضيع في الحي» تبدأ بكلمتين أكثر وقعا، وهما: لا شيء تقريبا. ويظهر جليا أن التلميح مباشر ومستتر قليلا. وهذا التجريد المعتمد في الرواية، يمنحها الطابع المعروف به الكاتب الفرنسي باتريك موديانو والذي يدفعه دائما بالرغبة في الاحتفاظ بطابع التجريد في كل نصوصه بحيث يغيب «الأنا» في تلك النصوص ولكن تعوض براو «جامع للمعرفة» مع إشراك للقارئ الذي يكتشف شيئا فشيئا أنه جزء من شخصية الراوي في الواقع. نجح موديانو في انتزاع إعجاب لجنة تحكيم نوبل للآداب عن جدارة. وقبلها نجح في انتزاع إعجاب قراء نصوص رواياته. وما تتويجه من قبل الأكاديمية السويدية لهذا العام إلا عرفان لكل أعماله الأدبية الراقية.