في إحدى مقالاتي السابقة تحدثت عن معاناة المريض النفسي في مجتمعنا معاناة مزدوجة مؤلمة مع المرض ومع الآخرين. ولا يعرف حقيقة وألم المرض النفسي إلا من جربه، فمنذ فترة طويلة قرأت كتاباً جميلاً للكاتبة كاي جاميسون بعنوان (عقل غير هادئ) من ترجمة الأستاذ حمد العيسى تحكي فيه الكاتبة قصة معاناتها مع مرض ذهان الهوس والاكتئاب أو ما يعرف بثنائي القطب حيث تعتري المريض نوبات تتراوح بين الاكتئاب الشديد والهوس والفرح والشعور بالسعادة غير الطبيعية. فالكتاب قمة في السرد وتفصيل الوقائع والأحداث بطريقة دقيقة تجعلك تشعر كقارئ بأنك تعيش مع الكاتبة معاناتها خطوة بخطوة عدا إبداع الأستاذ حمد في الترجمة السلسة الواضحة. تقول الكاتبة لوصف نوبة اكتئاب مرت بها (كنت منهكة تماماً وبالكاد أستطيع أن أسحب نفسي من السرير في الصباح. لقد كان الوقت الذي يلزمني للمشي إلى أي مكان ضعف الوقت المعتاد. كما كنت أرتدي الملابس مرات عديدة بصورة مكررة..). وفي نوبة من الهوس تقول الكاتبة في وصفها لمشاعرها(أنطلق بخطط حماسية. وأضع خططاً مفصلة مترفة وغير واقعية لمستقبلي. العالم بالنسبة لي مليء بالسرور والأمل وشعرت أنني رائعة بالفعل. لقد شعرت أنني أستطيع أن أصنع أي شيء ولا يوجد مهمة صعبة لا يمكن أن أنجزها وأسهر طوال الليل). وهكذا تعيش كاي بين موجتي الاكتئاب والهوس التي لا ترحم وتصف الكاتبة بقولها (مثل كل شيء في حياتي، الأشياء الكاحلة كانت عادة توازنها الأمور الرائعة، والأمور الرائعة بدورها تلغيها الأشياء الكاحلة. لقد كانت حياة غريبة الأطوار: مدهشة ورهيبة. وعسيرة بما يفوق الوصف، وسهلة بصورة عظيمة وغير متوقعة، ومعقدة، وتسلية عظيمة، وكابوساً بلا مخرج!!). لقد حرصت هنا أن أضع وصفها لحالها كما هو، وذلك لدقته وتماثله مع شكوى الأفراد المصابين بهذا المرض. ولكن في كل هذه الظروف الصعبة تمتد لكاي أيد رحيمة تساندها وقت اكتئابها وتحد من طاقة هوسها من هؤلاء زوجها وأخوها الذي كان يمدها بالحب والدعم المعنوي والمادي. ولولا ذلك الدعم والحب لما أصبحت كاي نفسها عالمة نفس تعمل في عدد من الجامعات المرموقة في أمريكا!! * إضاءة: الحب كعامل مؤازرة، والحب كعنصر مجدد، والحب كأداة للحماية. بعد كل ما بدا أنه موت في عقلي أو قلبي، لقد استطاع الحب في أحسن حالاته، أن يجعل الحزن الذي ورثته في الحياة أكثر تحملاً، وأن يجعل جماله جلياً. لقد زودني بطريقة يتعذر تعليلها ولكنها منقذة!! "كاي جاميسون"