لم يكن التزامنا بحضور العيد كما كان عليه منذ عشر سنوات، حيث قيمة العيد الدينية والاجتماعية قوية جداً، ويعاب على من يغيب فيه، ولذا يحرص الجميع على التواجد مهما كانت المغريات والمسببات، ولكن الأمر تغيّر هذه الأيام حين تزدحم مطاراتنا آذنة بالهروب الجماعي من العيد وارتباطاته، فلم يعد هناك تجمع مكتمل للعوائل في العيد إلاّ ما ندر، فالغالبية مسافرون من الطفش!، بل يفضلون أجواء السفر في عيد الأضحى استغلالاً لاعتدال الجو في هذا الوقت من السنة بالنسبة لدول الخليج أو الدول الأسيوية والأوروبية، كما يصاحب هذه الفترة العديد من المهرجانات والتخفيضات لموسم الشتاء، والذي هو هدف المسافرين من كلا الجنسين. وجهات نظر وقال "عبدالله المحيسن" -موظف قطاع خاص- أنه لا غريب في سفر الناس في هذا الوقت، فعيد الأضحى يعتبره الكثيرون غير رسمي بخلاف عيد الفطر الذي يحرص الجميع على حضوره، مشيراً إلى أن الشباب في السابق كانوا الغائب الأبرز عن عيد الأضحى، ولكن العوائل بدأت تفقد معنى العيد وتفضّل الهرب خارجاً من الطفش. وتوافقه "منال العيسى" -معلمة حكومية-، مؤكدة على أنها وعائلتها يفضلون السفر أوقات الأعياد، موضحة أن الارتباطات العائلية ثقيلة نوعا ما، كما أن العيد هو الوقت الوحيد الذي يحصل الجميع فيه على إجازة، فشهر شعبان وقت راحة من بعد عناء عام دراسي وزيارة الأقارب داخل المملكة، ثم يأتي رمضان الذي يجبرك على البقاء في منزلك بحكم الصيام والقيام وصعوبة السفر فيه فلا يوجد لديك فرصة لسفر إلاّ وقت العيدين التي غالباً ما أسافر فيهما، وأحرص عند عودتي بزيارة أقاربي وتهنئتهم بالعيد. العوائل نافست الشباب على السفر للخارج في العيد وتخالفها الرأي "أم أماني" -ربة منزل-، قائلة: "لم يعد للعيد أي قيمة تذكر، فالجميع يستغلها للهرب من واجباته الدينية والاجتماعية"، مشيرة إلى أن قيمة ذبيحة تساوي 2000 ريال لا تعادل قيمة سفرة خارجية!، مفضلة أن يكون سفرها بعد العيد وتأدية واجبها الديني وتهنئة الأهل، فلا ضرر بأن تنتهي من أضحيتك، ومن ثم "الله يستر عليك". وتتفق معها "ابتهال الضالع" -طالبة جامعية-، مشيرة إلى أن أمها تبذل الكثير من الجهد وقت الأعياد لتحسسنا بفرحته وقدسيته، فتجدها تحضّر الأطعمة من حلويات ومعجنات لاجتماعنا في الليل بالاستراحة، مع تجهيز بعض المسابقات للكبار والصغار والهدايا البسيطة، بالإضافة إلى الألعاب النارية، ثم ينتهي اليوم بوجبة شواء لذيذة يحضّرها الرجال، مبينة أن احتفال عيد الأضحى مساوٍ للفطر، وربما أفضّل الأضحى؛ لأني أنام ليلتها بعكس الفطر الذي نتعيّده ونصفنا نيام؛ بسبب السهر، ولا ننسى اللحم الذي تعده والدتي بطبخات مختلفة من شوي وتحمير وسلق بأكلات شعبية لذيذه تحسسك بطعم العيد. وترى "العنود ممدوح" أن السفر وقت الأعياد واجب من وجهة نظرها هرباً من حالة الطفش والزهق التي تكون عليها أجواء العيد، متساءلة: كيف أعود لعملي ويسألني الجميع إلى أين ذهبت وأخبرهم بأني لم أسافر؟، موضحة أن بيئتها الاجتماعية تفرض عليها السفر لأي دولة كانت، كما أن بإمكاننا الاحتفال بالعيد خارجاً ضمن إطار عائلي مصغر. ويقضي "أبو محمد" -معلم حكومي- إجازة عيد الأضحى المبارك مع عائلته في إحدى دول آسيا غالباً لاعتدال الجو، مشيراً إلى أنه يضحي هناك لرخص الأسعار. إعادة فرحة العيد وقالت "سهام الفزاع -رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام- إننا من قتلنا فرحة العيد ونحن من يستطيع إرجاعها، فلابد من أن نتكاتف جميعاً للحفاظ على قدسيتها وجمالها الروحي، فحينما نرى الدول العربية المجاورة احتفالهم بالأعياد يختلف كلياً عنّا وتقديرهم لقيمة العيد الدينية والمعنوية واضحة بطريقة الاحتفال لديهم، وليس علينا النظر للخارج فالمقيمون العرب في داخل بلادنا تجدهم يحتفلون بالعيد الكبير أكثر منّا، فهي عادة الاحتفال التي نفقدها هنا. وأضافت أن تخطي هذا السلوك يحتاج إلى إرادة قوية مننّا لإعادة قدسية هذه الشعيرة، فظهور الجمعيات الخيرية التي تتكفل بإخراج الأضحية جعل الكثير يتهاون بقيمة العيد الدينية، فجميعنا نعرف أن الأضحية لابد من أن تختارها وتمسك عليها وتشهد ذبحها وتوزيعها، ولكن للأسف العديد يفضّل فعل ذلك إبراء للذمة فقط، وليس حباً في العبادة التي أوهمت الجمعيات العديد بسهولتها، بالرغم من توصيات العديد من المشايخ بعدم إخراجها بالطريقة هذه أو إخراجها خارج البلاد كما يفعل العديد مع الدول التي تعاني الحروب والجوع، فأهل البلد أولى بها من غيرها، كما لا ننسى أن أفراد مجتمعنا مهيأون للسفر حتى وإن كانت نهاية أسبوع ولمدة يومين فقط، فالعديد يفضّل السفر وذلك ببساطة بسبب الطفش وقلة وسائل الترفيه والأماكن السياحية وبرامج الاحتفال بالعيد التي تندر تماماً في عيد الأضحى بخلاف عيد الفطر الذي يتم التحضير له من قبل أيام؛ فتجد أجد البضائع في الأسواق وحرص الأمانة على تنظيم فعاليات أيام العيد من برامج ومسرحيات وألعاب نارية، والتي للأسف الشديد تنقرض في عيد الأضحى. وأشارت إلى أن فعالية عيد الأضحى هو الذبح في الصباح وينتهي بذلك العيد، ثم تجد الطرق السريعة المؤدية إلى المدن الأخرى قد اكتظت كما هو حال المطارات بالأمتعة والمسافرين، موضحة أن هروب الناس باختصار هو لعدم إحساسهم بالعيد هنا، فالأم والأب هم أكثر الناس إحساساً بأطفالهم وترفيههم فتجدهم يهربون خارجاً بحثا عن هذا الترفيه. وقالت:"للأسف الشديد أننا ننظر لعادتنا أكثر من ديننا، فمنذ الصغر ونحن نعرف أن عيد الفطر هو من نحتفل به أكثر، بالإضافة إلى أن العديد من العوائل قد سافر أفرادها للحج فالعادة هو تأجيل الاحتفال به حتى عودتهم واستقبالهم، فتجد الاستراحات واستعداد البيوت يكون عادة الأسبوع الذي يلي عيد الأضحى احتفالاً باجتماعهم وكأنه يوم عيد، وعليه يجب أن نتكاتف لإعادة هيبة العيد ابتداءً من الأسرة نفسها وحتى أمانات المناطق، فلا بد من تكاتف المجتمع ككل من الأحياء السكنية وجيران ومدارس لخلق بهجة هذه الشعيرة، فلا يقع العبء على أحد بذاته فكلنا مسؤولون.