من المهم العناية بالتفاصيل خصوصاً في الموضوعات الجادة، لأن معرفتها وفهمها يحدث فرقاً كبيراً في الموقف، أو الخطة، أو القرار الذي يتخذه الفرد في حياته سواء في مجال العلاقات والعمل، في الاتفاقيات والعقود، في العلم والتجارب، في السياسة والاقتصاد والقضاء، في الهندسة والبناء، في إدراك المفاهيم وغير ذلك، ولكن من المهم أن يعرف الشخص متى يركز على التفاصيل وكيف؟ ومتى يكتفي بالكليات؟ أو متى ينتقل من الكليات إلى التفصيلات والعكس؟ مع الاهتمام بالنتائج التي ستفضي إليها تلك التفصيلات، وما الذي يتطلبه الوضع من تعديل وتغيير، وإلا أصبحت المسألة مضيعة للوقت والجهد. هناك أشخاص لا يعبأون بالتفاصيل وعندما ينقل أحدهم لك خبراً، أو معلومة. أو يطلب رأيك في موضوع ما تجد صعوبة في استيعاب ما يقول، وتكوين وجهة نظر وتتخوف من إبداء أي رأي وأنت غير ملم بالموضوع، لأن رأيك قد لا يتوافق مع حيثيات الواقع، وقد يضر الآخر. من ناحية أخرى يستعجل الكثير منا في التصرف قبل جمع المعلومات وتدقيقها فيسهل خداعنا، وكم تورطنا في شراء أشياء ثم تبين لنا خطأنا، أو تعاطينا علاجاً دون قراءة ماكتب عنه. في مجال العقود تبدو كثير من الاتفاقيات والعهود في ظاهرها معقولة وعادلة، ولكن ما أن تراجع وتدقق وتفهم المصطلحات حتى تظهر المشكلات في باطنها، ويبرز العذاب. وعلى ذكر الاتفاقيات، فإن الاتفاقيات التي وقعت مع المفاوضين الإسرائيليين دون عناية بالتفاصيل أدت إلى حقائق ونتائج مؤلمة، لأن الاهتمام كان منصباً على أمور أخرى مثل العلاقات والمصالح الآنية، أو لأن المهمة أوكلت إلى أشخاص غير مؤهلين وهكذا ضاعت الحقوق، بينما كان الجانب الآخر يدقق في كل كلمة، ويراجع كل جملة تكتب قبل التوقيع، ويحذف ما لايريد، لأن لكل كلمة معنى، ولكل جملة نتيجة. في مجال العمل الأشياء الصغيرة مهمة أيضا، ويرى الكاتب (مايكل ليفين) في كتابه «BROKEN WINDOWS,BROKEN BUISNESS» الذي يشرح فيه كيف «تحصد العلاجات الصغيرة أكبر المكافآت»أن أكثر المشكلات في العمل تأتي من تجاهل التفاصيل الصغيرة، وليقرب فكرته استخدم نظرية النوافذ المكسورة، فالنافذة المكسورة التي لا ُتصلح سيترتب على عدم إصلاحها كسر الأخرى وهكذا، كما أن البيت بنافذة مكسورة يوحي باللامبالاة، بمعنى أن التساهل في تصحيح الأخطاء والمشكلات في العمل مهما صغرت يعد بداية الخلل، وخسارة العملاء والإيرادات، ويعتبر الكاتب أن العناية المستمرة في التفاصيل تبرز جدارة التعاون وعناية الشركة باحتياجات العميل واحترامها لهم، فآراء العملاء مؤشر قوي على مستوى إدارة العمل، والقدرة على التعامل مع الأمور الصغيرة تعكس القدرة على التعامل مع الأمور الكبيرة. ويؤكد في كتابه على أن النجاح يوجب على أصحاب العمل مراقبة التفاصيل، والمسارعة إلى إصلاح العيوب، أو مواجهة خطر الفشل!