تتألق حضارة الشعوب، حينما تواصل نظرها العميق لصفحات تاريخها، وتسترجع ماضيها وتتأمل حاضرها وتنظر عبر هذا لمستقبلها بعيون الفخر والابتهاج بما أنجزته وتنجزه في طريقها للبناء الحضاري؛ واليوم الوطني لبلادنا يعد لحظة تتسع لهذا التأمل في تاريخ سطّرته حكمة وشجاعة ورؤى رجل صنع من الصحراء معجزة حضارة وتنمية أسست وضربت جذور بنائها في أعماق الرمال، فما وضعه المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز من أسس وماغرسه من أركان ثابتة وأصيلة كان خير أساس وأمتن بناء للملحمة التي كانت ولاتزال مثار إعجاب شعوب العالم ومفكريها. ومن هنا؛ فإن هذا اليوم الذي تتجسد فيه روعة هذه الصور وعراقة هذا الفعل، يتيح لأجيال شعب هذه البلاد الفرص العظيمة لتأمل التاريخ والوصول إلى نظر واع للواقع بكل تفاصيله، يوم يبرز فيه المنجز الحضاري إشارة ترشد كل جيل لمواصلة العمل والسير على طريق التنمية، ويدفعه لأن يكون امتدادا للرجال الذي شاركوا مؤسس كيان الخير في بلاد الخيرفي رحلة التوحيد؛ ويكونوا عناصر فاعلة في أفق هذا البناء الذي واصل قادته العمل فيه حتى دخل بكل ثقة إلى فلك العالم وحضارته مستنيراً بهدي رسالة الإسلام ومبادئه العظيمة. ولعلنا ونحن نعيش هذه اللحظات عبر يومنا الوطني ويوم استرجاع أمجاد من قادوا ركب العطاء والعمل في وطننا، نستلهم أجمل المعاني، ليكون تذكرنا لها ليس مجرد عرض وتذكير، بل توظيف يضمن لنا الاستفادة من تلك الحكم والرؤى والانطلاق نحو المستقبل ونحن ندرك الأسس العميقة والمبادئ المتميزة التي قام عليها هذا الكيان وتشكلت عبره ملامح مجدها وسيرتها الحضارية. ويأتي هذا اليوم أيضا ليعزز لدى أبنائه ثوابت الانتماء ويفتح لهم أبواب المشاركة الحقيقية والخوض في الدفاع عن مكتسباته والوقوف بحزم ضد أي محاولات تهدف للنيل منه أو التأثير على مسيرته أو زعزعة أمنه، ويجمع أهله على مائدة حبه والولاء له، فتذكّر الأمجاد واسترجاع المكتسبات واستلهام المجد، دافع كبير لتحقيق كل هذا، ومنح الجميع الفرصة لجعل الحب عبر هذه الاحتفالية عملا حقيقيا يحقق الاستلهام ويوسّع دائرته. والحاضر الذي نعيشه يعكس لنا بدقة فرادة تلك التجربة، وبعد النظر التي قامت عليه تجربة التنمية الوطنية، فهو حاضر تتزاحم فيه صور النماء عابقة بأريج التاريخ ومزيّنة ببهجة الحاضر المتميز، في كل مجال، وعبر كل تجربة، سواء كانت علمية أو عملية، وسواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، فكان تميّز الرؤية السياسية لبلادنا ومتانة عطائها الاقتصادي واتساع رقعة جهودها التعليمية نتاجا طبيعيا لما بُذل في مرحلة التأسيس، تلك المرحلة التي كانت منطلقا مهما لتجربة التشييد الحضاري. فالتعليم، على سبيل المثال، أخذ عبر هذه العقود، ملامح مشرقة، ومُنح فرصا عديدة كي يكون خيارا استراتيجيا للعملية التنموية، تؤكده دوما تلك الصروح العملية التي انتشرت في كل جهة، وذلك الدعم السخي والمتواصل لها لأن تحقق أهدافها، وتأكيد عزيمة قيادتنا على دعم هذا الخيار وتوفير البيئة المناسبة له، ليخرج بأجيال واعية لدورها متمكنة من أداء رسالتها، واثقة من عمق علاقتها بوطنها. ولقد حققت - ولله الحمد -جامعة تبوك قفزات نوعية في كافة المجالات الأكاديمية وتجهيز البنية التحتية، حيث بلغ عدد طلابها المقيدين هذا العام أكثر من (48,000- ألف طالب وطالبة في كافة البرامج المتمثلة في الانتظام والموازي والانتساب والدبلومات والدراسات العليا، كم تم التوسع في المحافظات حيث اكتمل العام الماضي افتتاح أقسام للطلاب في كل من الوجه وحقل لمرحلة البكالوريوس، وبعض الدبلومات التي تلبي احتياجات المحافظات مثل الدبلوم العام للتربية ودبلوم التوجيه والإرشاد ومنتظم فيها (1373) طالباً وطالبة. ورغبة من الجامعة في تأهيل المتميزين في الأجهزة الحكومية فقد قامت عمادة الدراسات العليا بفتح القبول لهم في برامج نوعية تخدم مجالات عملهم إذ بلغت البرامج المقدمة سبعة برامج يدرس فيها (743) طالباً وطالبة وتتميز جامعة تبوك في هذا المجال بوجود برنامج علم النفس العيادي دون وجودة في بقية الجامعات، وفى المجال البحثي سارت الجامعة على ثلاثة مسارات تمثل الأول في دعم الأبحاث المقدمة من أعضاء هيئة التدريس والباحثين بالجامعة حيث بلغ عدد الأبحاث الممولة (491) بحثا بمبلغ وقدرة (37,291,511) ريالاً، بينما كان الثاني عبارة عن إنشاء مركز الاستشعار والأنظمة الخلوية حيث بلغ عدد الأبحاث الممولة (21) بحثاً و(52) ورقة بحثية وتسجيل ثلاث براءات اختراع وانتاج (5) أجهزة ونشر كتابين وعقد اتفاقيتين دوليتين وندوتين علميتين، أما المسار الثالث فكان إنشاء معمل لأبحاث النانو حيث نشر أكثر من (50) ورقة علمية وحصلت الجامعة على ثلاث براءات اختراع بالتعاون مع جامعة صوفيا البلغارية، كما تمت الموافقة الكريمة على إنشاء مدينة جامعية بمدينة تبوك بهدف توفير بيئة تربوية ملائمة للطلاب والطالبات والعمل جار فيها حيث انتهى عدد من المشاريع مثل كلية العلوم الطبية التطبيقية وكلية الطب وكلية التربية والآداب للبنات، وتم تأهيل مباني شطر الطالبات تأهيلاً شاملاً إضافة إلى إنشاء مبنى عاجل للكلية إدارة الأعمال في المصيف، ولم يتوقف هذا عند المدينة الجامعية بتبوك بل وصل المحافظات إذ تم افتتاح مباني الكليات الجامعية في أملج والوجه برعاية سمو أمير المنطقة في جولته الأخيرة، ولا زال العمل جار في مشروعي حقل وتيماء. وفي جانب الابتعاث للمعيدين والمحاضرين بلغ عدد المبتعثين من منسوبي الجامعة (635) منهم (306) رجال و(329) امرأة حيث يتلقون تعليمهم في أعرق الجامعات العالمية ليعودوا وهم يمتلكون من المهارات من يمكنهم من خدمة دينهم ووطنهم. والله نسأل أن يديم الخير على بلادنا، وأن يمكّنها دوما من تحقيق تطلعات أبنائها والأخذ بهم إلى قمم النهوض والسير في مضمار الشعوب المتميزة. * مدير جامعة تبوك