أمن الوطن "خط أحمر" لا يمكن أن يراهن على خلافه عاقل، ولا يتهاون فيه مواطن لصالح جهات خارجية تطمع في زعزعته، أو إثارة الفتنة فيه، فما بالك ب"خائن أجير" تجاوز كل صفات السوء، ولم يخن بلده فقط، بل تواطأ مع جهات خارجية لاستهداف أهله ووطنه وعرضه مقابل حفنة من مال ملوث بالخيانة. "الرياض" تطرح عبر هذا التحقيق موضوع الجواسيس والخونة، تزامناً مع بيان "وزارة الداخلية" حول ما تم اكتشافه من معلومات عن تورط عدد من المواطنين في أعمال تجسسية لمصلحة الاستخبارات الإيرانية، وثبت فيها تورط (16) سعودياً، إضافة إلى شخص إيراني، وآخر لبناني في أربع مناطق من المملكة، وذلك بحثاً عن آلية تطهير المجتمع - المتماسك أرضاً وشعباً - من هؤلاء - الذين يعدون حالات فردية -. وعي المواطن بأهمية وطنه يقطع الطريق أمام «الحاقدين» على أمنه واستقراره ومنجزاته أقذر مهنة في البداية، أكد "اللواء د.محمد أبو ساق" - رئيس اللجنة الأمنية في مجلس الشورى - على أن الجاسوسية تعد من أخطر الأعمال التي تهدد أمن الأوطان، وعُرفت في السابق منذ آلاف السنين عبر التاريخ كممارسة مشينة، وفي الجانب النظامي تعد الجاسوسية ومشروعيتها من أعمال الخيانات الوطنية العظمى، وقال عنها القائد العسكري والسياسي "نابليون": "جاسوس واحد في المكان المناسب تعادل أهميته ومكانته (20) ألف جندي في أرض المعركة"، ومن هنا يتضح أن الجاسوسية عمل قذر ووسيلة لتهديد أمن الوطن، ويجب على الجميع التكاتف مع رجال الأمن البواسل لتوضيح مدى شناعة هذا الأمر؛ خاصة أنها تعد أقذر مهنة بعد البغاء في العالم. وقال إن قدرات المملكة في مجال الاستطلاع والتنبؤ والاستخبارات وحماية البلاد ومعلوماتها الأمنية كشفت عن قوة المملكة والأيد الأمينة التي تعمل فيها، ومدى قوة وثبات وتنظيم وكفاءة هذا الجهاز وما لديهم من معدات وسبل تؤهلهم في محاربة ما يشكل خطراً على أمن البلاد، مبيناً أن هذه العملية التي أعلنت عنها "الداخلية" مؤخراً تدق جرس الإنذار أن هناك جهات خارجية تستميت للإضرار بأمن المملكة، وعلينا أن ندرك جميعاً أن المواطن المخلص يُعد رجل الأمن الأول في الدولة، ولا يقل أهمية عن الموظفين في الجهات الأمنية، منوهاً أنه لا يمكن لأي عملية أمنية أو إرهابية أن تنجح في أي بلد إلاّ بوجود معلومات متسربة من خونة امتهنوا الجاسوسية لحُفنة من المال، وفيها باعوا وطنهم وأهاليهم لجهات خارجية. يقظة رجال الأمن في هذه الظروف الدقيقة والمحيطة بعالمنا رسالة اطمئنان لجميع المواطنين وأضاف أنه يجب أن نفخر ونعتز بالعمل البطولي والجبار لرجال الأمن من "وزارة الداخلية" و"الاستخبارات العامة" في التعاون للتصدي لهؤلاء الخونة في وقت مبكر وقبل الإضرار بالوطن؛ مما يقدم رسالة لكل من تسوّل له نفسه مفادها أن رجال أمننا على يقظة بما يهدد أمن هذه البلاد، كما يجب أن يستوعب المواطن أننا نعيش في زمن تحفّه مجموعة من المخاطر والتحديات والمخاوف، كالتحديات الأمنية وكثرة شبكة المعلومات، وطفرة تقنية أسهمت في تداخل الشعوب مع بعضها؛ مما يسهّل آلية التواصل بين الدول المعادية للمملكة، في وقت يجب ألا يستغفل المواطن عبر وسائل التقنية، وأن يدرك بأنه محط أنظار للاستغلال الخارجي. يقظة رجال الأمن تحمي حدود الوطن من أي تجاوزات أو تهديد وأشار إلى أن ما حققته المملكة خلال العشر سنوات الماضية في حربها ضد الإرهاب لم تكن تنجح - بعد توفيق الله - إلاّ بجهود مؤسسات حربية وأمنية وإستخبارتية قادرة على التصدي لمثل هؤلاء، ووجود مواطنين شرفاء أوفياء مشاركين في تعزيز أمن الدولة ومشاركة رجال الأمن في جميع الأعمال الأمنية والإرهابية. رد فعل وذكر "د.محمد المطلق" -محلل سياسي وعضو مجلس الشورى- أننا نعيش في منطقة مضطربة تحيط بها تحديات أمنية كبيرة، ويجب أن نتوقع أن هناك نشاطات استخبارية وتجسسية تهدد أمن الوطن تتطلب منّا التيقظ المستمر والحذر ضد هذه الأمور غير المستغربة، منوّهاً أنه من المؤسف تورط عدد من أبناء هذا الوطن في قضايا تجسسية لا تمثّل المواطن السعودي رجل الأمن الأول، وإنما تعد حالات فردية. وقال إن شبكات التجسس هي الجانب الأمني السياسي الذي يجب أن تتصدى له المملكة من خلال التحليلات السياسية والإستراتيجية المنطقية، خصوصاً أن هناك دولاً معادية تحرص على زرع خلايا لها وعملاء في العديد من المناطق لتكون بمثابة محرّك لها داخل الدول المستهدفة، وإشغال الدولة بقضايا بعيدة عن القضايا الأكثر خطراً كما حصل في المملكة مؤخراً، موضحاً أن هذا الأمر يلزم المملكة التيقظ الأمني والسياسي والتحليلي المنطقي لما يحدث، حيث إن هناك مجموعة من المنظمات المدعومة من قبل دول خارجية تسعى إلى استهداف المملكة لإثارة الزعزعة وإضعاف تماسك الدولة. وأضاف أن المتابعة وحدها لا تكفي دون دراسة المسببات ومطالب الدول المعادية لتكوين وعي مسبق ضد ما قد يهدد خطر أمن المملكة، إضافة إلى وضع آلية للتعامل معها، وما هي وسائل الرد على هذه الدول، كما يجب أن نتعامل مع الأوضاع الإقليمية والإستراتيجية بشكل علمي، بحيث أن تكون للمملكة سياستها الخاصة لا تتشابه مع سياسة أي دولة أخرى، مبيناً أن التعامل في مثل هذا القضايا يشمل المتورطين من جهة والداعمين لهؤلاء من الدول المعادية من جهة أخرى، فرد الدولة وسياستها سيكون رادعاً لأي تفكير مستقبلي في إعادة الكرّة، خصوصاً أننا في زمن لا يُحترم فيه إلاّ القوي، ومن يعتقد ضعفك سيتجرأ عليك، داعيا إلى أن يتم التعامل مع هذا الملف تعاملاً مباشراً ضمن ما يحصل الآن وما هو متوقع مستقبلاً، وأن يكون هناك رد فعل تجاه ما يهدد خطر أمن الدولة الذي يعد خطاً أحمر غير مقبول تجاوزه. تعزيز فكري وأمني وشدد "د.خالد بن عبدالعزيز الحرفش" - مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية - على أن تعزيز الأمن الفكري وتحصين أفراد المجتمع من الاستهداف الخارجي ورفع الحس الأمني والوطني لديهم؛ كفيل بتحصين المجتمع من الاختراق التجسسي كجانب وقائي يعمل جنباً إلى جنب مع جهود الأجهزة الأمنية المتخصصة في هذا المجال، وبهذا التكامل بين الجانب الوقائي الاستباقي وجانب المكافحة يمكن أن نحمي المجتمع ونطهّره من أي بذرة للخلايا التجسسية. وقال إن الاستهداف الذي تواجهه المملكة من جهات عديدة -إعلامياً واقتصادياً وتخريبياً- يحتم على الجميع اليقظة والحذر ورفع مستوى الوعي والحس الأمني، خاصة في ظل الانتشار الكثيف لمواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت التي أتاحت المجال بشكل غير مسبوق للجهات المعادية لبث سمومها وأحقادها مستغلة الطائفية والمذهبية، واندفاع الشباب وتضخيم بعض القضايا بما يؤدي إلى تجاوز الخط الرفيع الفاصل بين الاختلاف في وجهات النظر وخيانة الوطن. وأضاف أن من ثبت تورطهم في هذا العمل المشين قلة لا يمثلون إلاّ أنفسهم، وربما يكونون تعرضوا لمغريات مادية أو انخرطوا في هذه الأنشطة بسبب فهم إيديولوجي معين؛ فضعاف النفوس وفاقدو الحس الوطني يوجدون في كل مجتمع وكل طائفة وهم في مجتمعنا قلة ولله الحمد، منوّهاً بدور وسائل الإعلام وآلية تعاملها مع هذه القضية في إطارها المحدد واغتنام مثل هذه القضية لزيادة اللحمة الوطنية والتعايش الإيجابي بين مختلف فئات وشرائح المجتمع. وأشار إلى أن أهم خطوة يجب أن تعيها المؤسسات الحكومية والخاصة والأسرة هي تحصين الشباب ضد هذا الاستهداف كما ينبغي عليها أن تعمل جاهدة لدعم الوحدة الوطنية وترسيخ مفهومها وتعميق جذورها وبسط العدالة الاجتماعية؛ الأمر الذي يقطع الطريق على الجهات المعادية، ذاكراً أنه ينبغي الأخذ في الاعتبار أن هذه الخلية التجسسية التي أعلن عنها بيان "وزارة الداخلية" هي بالتأكيد جزء لا يتجزأ من شبكات التجسس كُشفت في العديد من الدول الخليجية التي تشكل كياناً واحداً ذا مصالح مشتركة، ومصير واحد تستهدفه قوة إقليمية خسرت العديد من مواقعها، وتسعى بشكل محموم إلى إيجاد مراكز أخرى تعوّض ما فقدته في بعض دول الجوار، مشيداً بالعمل الأمني المنظم والناجح للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، والشكر لكل العاملين في هذه الأجهزة كل حسب موقعه واختصاصه، قيادة وأفراداً لحماية بلاد الحرمين الشريفين. اللواء د.محمد أبو ساق د.محمد المطلق د.خالد الحرفش