تحتفل المملكة هذا الأسبوع بذكرى يومها الوطني، الذي يمثل نقطة انطلاق مسيرة التنمية الشاملة التي أرسى قواعدها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- ليواصل أبناؤه البررة من بعده عملية البناء، مسترشدين بنهجه، وهمته، وبُعد نظره في التعامل مع التحديات المتنوعة والمتجددة. وقد حقد. محمد بن سليمان الجاسر *قت المملكة منذ تأسيسها نهضة شاملة، وذلك بتوفيق من الله، وبفضل نهجها التنموي الذي يجمع بين التخطيط العلمي المدروس للنشاط الحكومي والدعم المستمر لنشاط القطاع الخاص، في إطار من الحرية الاقتصادية والمبادرات الفردية، وتتجسد تلك النهضة في الإنجازات الكثيرة البارزة على أرض الواقع، ومنها شبكة الطرق الحديثة التي تربط أجزاء المملكة المترامية وتربط المملكة بالدول المجاورة، ومشاريع السكك الحديدية، والموانئ، والمطارات، ومحطات توليد الكهرباء وشبكات توزيعها، والمرافق التعليمية والصحية. كما تشمل الإنجازات مجموعة كبيرة من المشاريع الحيوية التي من أهمها مشروع تطوير المشاعر المقدسة، ومشروعي توسعة الحرم المكي والمسجد النبوي، ومرافق إنتاج ونقل وتكرير النفط، ومشاريع محطات تحلية مياه البحر، ومشاريع السدود، ومشروع صوامع الغلال، ومشاريع المدن الصناعية ومناطق التقنية، وقد تم تعزيز ما تم تحقيقه بعدد كبير من الإنجازات النوعية التي زادت إسهامها في بناء اقتصاد وطني قوي يملك الكثير من عناصر القوة التي مكّنته من مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية وعززت قدرته على التكيف مع المستجدات، مما أهّل المملكة لعضوية مجموعة الدول العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم. وتأتي ذكرى اليوم الوطني والمملكة تواصل تحقيق المزيد من الإنجازات الكمية والنوعية في المسيرة التنموية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يسانده سمو ولي عهده الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز -حفظهم الله- على طريق تعميق سياسات الإصلاح والتحديث والتطوير الاقتصادي والإداري التي تبنّتها خطط التنمية الخمسية المتعاقبة، وتهدف خطة التنمية العاشرة للمملكة 36/1437 - 40/1441ه (2015 - 2019م) إلى تعزيز تلك الإنجازات عن طريق العبور من ما يسمى «اقتصاديات التنمية» إلى ما يمكن تسميته «اقتصاديات الكفاءة»، وذلك بتعميق الاهتمام برفع كفاءة استخدام الموارد البشرية والمادية والعلمية والفنية المتاحة لرفع إنتاجية ورفاهية المواطن، ويشمل ذلك التطوير الكمي والنوعي للخدمات التعليمية والصحية والرعاية الاجتماعية، وتنمية الموارد المائية، وتطوير الإنتاج الصناعي والزراعي، وزيادة حجم الصادرات غير النفطية، واستمرار التحسن في مؤشرات مستوى المعيشة ونوعية الحياة للمواطنين. وتشمل الأهداف العامة للخطة تعميق التنويع الاقتصادي بأبعاده المختلفة، والتحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة وبناء مجتمع المعرفة، وتوسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، وتعزيز نموه وقدراته التنافسية، ورفع مستوى إنتاجيته، إضافة إلى الاهتمام بتنمية الموارد البشرية الوطنية، والاستفادة من طاقاتها، ورفع إنتاجيتها، وتوفير المزيد من فرص العمل لها، وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة. لقد شهد العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- منجزات تنموية بارزة ارتبطت بمبادراته المتنوعة، التي انبثقت من رؤيته الاستراتيجية النافذة، وتم في إطارها تبني مجموعة متكاملة من السياسات والبرامج التي أسهم تنفيذها في زيادة معدلات الاستثمار العام والخاص، وتوسيع الطاقات الإنتاجية لمختلف القطاعات، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية، وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والمواطنات. كما صدر في عهده الميمون -حفظه الله- العديد من القرارات الإصلاحية، التي ساهمت في توسيع المشاركة في صنع القرار، وفي تعدد منابر الحوار الفكري والثقافي، وتعاظم دور المرأة السعودية في الإسهام التنموي. وحظيت تنمية الموارد البشرية باهتمام خاص في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- فتم افتتاح عشرات الجامعات والمدن الجامعية والكليات والمعاهد التقنية والصحية، في مناطق المملكة. كما استحدث برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بهدف تمكين طلاب الدراسات العليا من تحقيق طموحاتهم في استكمال دراساتهم في أرقى الجامعات العالمية، وواكب هذا الاهتمام بتنمية الموارد البشرية تكثيف الجهود لترسيخ دعائم ومقومات الاقتصاد القائم على المعرفة، حيث اتخذت الدولة خطوات مهمة لدعم مشاريع وبرامج البحث العلمي، بالإضافة إلى إنشاء العديد من الصروح العلمية والمعرفية، منها: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، ومدينة المعرفة في المدينةالمنورة، ومعاهد تقنية النانو، بالإضافة إلى ما تنفذه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من برامج متنوعة في مجال الأبحاث التطبيقية، بالتعاون مع الجامعات السعودية ومراكز الأبحاث المتخصصة في المملكة. وقد تُوّجت تلك الجهود باعتراف العالم بها، حيث ارتفع تصنيف المملكة في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي لعام 2014م، من مرتبة (57) إلى مرتبة (34) والذي يضعها في مصاف الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً. إن ما يسترعي الانتباه حول المسيرة التنموية للمملكة هو التماثل في بعض الجوانب المهمة بين بداياتها في عهد الملك المؤسس -رحمه الله- وواقعها الراهن. فمثلما تبنّى الملك المؤسس الأساليب الحديثة لتطوير الزراعة ومصادر المياه، وإدارة عمليات التنقيب، وبناء شبكة المواصلات والاتصالات، ونشر خدمات التعليم، والرعاية الصحية، وبناء مؤسسات الدولة، واستعان في كل ذلك بالخبرات الأجنبية على المدى القصير، بينما ابتعث السعوديين إلى الخارج للتخصص في مختلف المجالات، فإن المملكة تحرص الآن على الاستخدام الموسّع لمنجزات العلوم والتقنية في كافة المجالات الإنتاجية والخدمية، وتولي اهتماماً خاصاً بنقل المعارف الحديثة والخبرات في مختلف المجالات. كذلك ومثلما كان الملك المؤسس يستشرف المستقبل في سياساته وبرامجه، فإن أبناءه البررة ظلوا يتخذون من التخطيط التنموي وسيلة فعّالة لبناء المستقبل الاقتصادي والاجتماعي المنشود للمملكة وفق أسس علمية مدروسة، وفق القدرات المادية المتاحة. في الختام، أسأل الله العلي القدير أن يوفق قائد المسيرة، خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وولي ولي العهد، في جهودهم الحثيثة لإعلاء شأن المملكة وإسعاد مواطنيها، ونحمد الله عزّ وجلّ، على ما أفاء به علينا من نعم لا تُعدّ ولا تُحصى، وما أنعم به علينا من قيادة رشيدة، تملك من الصفات والمهارات ما يمنحها القدرة على اتخاذ القرارات والسياسات الصائبة، وإدارة الأزمات مع وعي عميق بالمخاطر والتحديات الإقليمية والدولية. * وزير الاقتصاد والتخطيط