يرى دوماً أن القراءة لا تختلف عن الكتابة والرسم وحتى عزف الآلات الموسيقية، ما دامت القراءة تعتبر نشاطاً من أنشطة الإنسان الإبداعية. هكذا يفتتح الروائي السوداني أمير تاج السر شهادته الأدبية حول تجربته مع القراءة والرواية في آن، ضمن مشاركته في الليلة الثانية من مسابقة اقرأ وهي إحدى مبادرات أرامكو السعودية لإثراء الشباب والتي أقيمت على مسرح مهرجان أرامكو بالظهران مساء أول أمس السبت. الأمسية التي أدارها الكاتب طارق الخواجي، أشار فيها تاج السر مؤكداً بالقول: "مادام هناك ذهن يستوعب ومعرفة تكتسب.. فلاشك إن القراءة نشاط انساني إبداعي لن يختلف عن أي تلك الأنشطة الإنسانية الأخرى". انحياز تاج السر للقراء بدا جلياً في تعويله عليهم أكثر من النقاد، وهو انحياز قادمٌ في الأصل من إعلاء قيمة القراءة نفسها، حيث يعلق صاحب (مهر الصياح) قائلاً: "أفخر بأنني وضعت على الغلاف الخلفي لواحد من كتبي التي أعدت طباعتها آراء كلها لقراء عاديين". أما عن (قانون تاج السر) وهو عنوان شهادة الروائي السوداني؛ فلم تكن سوى تاج السر نفسه، والد أمير الذي سن في بيته سنة دخول كتاب كل أسبوعٍ مرة، يحضره صاحب مكتبة اسمه رفعت، يصل بدراجة نارية ويرميه من فوق الحائط فيهرع الجميع لأخذه، وكل واحد من الأخوة يتمنى قراءة الكتاب قبل الآخر. وبعد استعادة ذكريات القراءة والطفولة والبدايات في مدينة بورتسودان الساحلية حيث كان والد الروائي السوداني موظفاً بجمارك الميناء، يتوقف الروائي السوداني عند جزء محبب للقراء وهو الحديث عن طقوس الكتابة لدى أمير تاج السر. "شخصياً أقرأ الكتب بيقظة وانتباه شديدين وأنا جالس على المكتب أو في ركن هاديء، أخاف أن يفوتني شيء من صفحات الكتب أو أسطره"، متذكراً أنه حمل معه كتاب أن تقرأ لولينا في طهران في عشر سفرات متعاقبة إلا أنه لم يستطع اتمام الكتاب غابطاً أولئك الذين يقرأون وسط الضجيج. وحول قارئ اليوم المتواجد على شبكة الإنترنت، يتحدث أمير تاج السر، مستغرباً من تصنيفات وآراء تعدت الذوق الشخصي في القراءة: "تجد من يصف كتاباً بالركاكة ولغة الشوارع بينما الكتاب مكتوباً بلغة جيدة وأخاذة"، ويضيف: "إنها قراءة وصفتها مرة في مقالي، لي بالقراءة المغشوشة التي لم تحدث أو حدثت من منطلق آخر، نعم هناك من يقرأ بنفس الطريقة التي يشجع بها فريقاً لكرة القدم فهو يشيد بكاتب من بلاده ويذم كاتباً من بلاد أخرى، يمنح التقييم الجيد لكاتب بلاده والرديء لكاتب من بلاد أخرى". أمير تاج السر الذي أصدر سبع عشرة رواية وديوان شعر وثلاث كتب في السيرة الأدبية، يثير في أمسية الظهران سؤالاً لطالما تعرض له تاج السر وآخرون. "هل انتهى عهد القراءة الجادة بالفعل وبدأنا عهد التسلية ومغازلة الهواتف المحمولة والبحث في منتديات الدردشة وترك الكتاب بلا قراءة؟". لا يعتقد تاج السر بنهاية عصر الكتاب والقراءة في الوطن العربي، "بل إنها ظروف حدثت وألهت الناس عن القراءة، تلك الظروف القاهرة من ثورات وغيره، تعد عاملاً مهماً في تشتيت الذهن عن القراءة، لكن في المقابل حدثت ثورة قراءة كبرى في الدول التي نعمت بالاستقرار"، مضيفا: "الآن يوجد في المملكة العربية السعودية قطر والإمارات قرّاء محترفون يطاردون معارض الكتب في أي مكان توجد، حضرت الدورة الأخيرة من معرض الرياض للكتاب وذُهلت من كثافة القراء الذين كانوا يتسقون من المعرض بنفس المزاج الذي يتسوقون به من مخزن للمواد الغذائية". مؤكداً أن القراءة باقية وبأننا نحتاج فقط إلى قوانين صارمة فيما يختص بأطفالنا حتى يصبحوا قرّاء مستقبليين.